نكبة مستمرة…
هو الكلام نفسه، الذي نكتبه في مثل هذا اليوم، كلّ سنة، ففي مثل هذا الصباح، قبل ٦٨ عاماً، صارت “إسرائيل” دولة معترفاً بها في الأمم المتحدة، لهذا يتذكّره الفلسطينون باعتباره صباح النكبة، ولكنّ مأساة الهجرة لم تبدأ وتنتهي ذلك اليوم، فقد كانت قبله وما زالت مستمرة حتى الآن.
وتفيد التقديرات الحالية أنّ عدد الفلسطينيين يتجاوز الاثني عشر مليونا وهم موزّعون في أنحاء الكرة الأرضية، وحتى الفلسطينيون داخل فلسطين التاريخية، فالغالبية الغالبة منهم مهجّرون من مدنهم وقراهم إلى مدن وقرى ومخيمات أخرى.
ولا يمكن مقارنة الشتات الفلسطيني بأيّ تجربة شتات أخرى في التاريخ، لا اليهودية ولا الأرمنية ولا غيرهما، فحقيقة هذا التهجير أنّه أتى نتيجة طرد شعب من أرضه، ليتوزّع على العالم، وإحضار شعب آخر كان موزعاً في أرجاء الكرة الأرضية، ليسكن بيوت المهجّرين، ويأكل زرعهم، ويمشي في شوارعهم، ويدمّر مقابرهم ليدفن فيه موتاه.
ولا ينسى الفلسطينيون فلسطينهم، ولا يتقبّلون حتى فكرة أنّ المكان تغيّر، فدمّرت القرى والبيارات وصار للجغرافيا شكل آخر لا علاقة له بالماضي، ولكنّ الذاكرة تحتفظ بصورة المكان الأوّل، وتورّث للأبناء والأحفاد، وكذلك الحنين، وأكثر منه الإصرار على العودة، وعوّدنا التاريخ دوماً أنّه ينتصر على الجغرافيا، ولو بعد حين.
ولم ينس الفلسطينيون، بعد، ذكرى احتلال بلادهم الأوّل، فكيف سينسون إذن هذا الاحتلال المتواصل المنظّم الذي لا يرضى قبول فكرة التعايش، ويذهب في التحدّي إلى المدى الأبعد، ولا يبدو أنّ له نهاية تتّخذ من الحقوق أساساً متيناً، بمعنى أنّ ما سمّي بعملية السلام المزعومة، كانت باتفاق الجميع مجرّد إضاعة للوقت.
(السبيل 2016-05-15)