«استقلالهم».. ونكباتنا!
لهم استقلالهم ولنا نكباتنا التي تتناسل، وكل نكبة تلد اخرى اشد فتكاً وخطورة وكلفة بشرية وبنيوية، يكاد «العربي» ان يترحم على أم «النكبات» التي وصل عمرها الى «68» عاماً، ولمّا تتوقف تداعياتها وأسرارها التي تزيد من الاحباط والألم عندما «تكتشف» ان ما وصل اليه عرب ذلك الزمان وعلى رأسهم قيادات فلسطينية جاهلة ومقيمة في مربع مصالحها الخاصة التي لم تتعارض مع مصالح المُستعمِر البريطاني ولا الاحلالي الاستيطاني الصهيوني، الذي لبس لبوس الضحية وأخذ من رواية الهولوكوست التي باتت «انجيل» الغرب الاستعماري الجديد... منصة, ليس فقط لاطلاق مشروع احتلال فلسطين وتحويلها الى مركز امبريالي متقدم، يأخذ المشروع العربي الى الوراء ويفتت فكرة العروبة ويبحث في ثنايا الخلافات المذهبية والطائفية والعِرقية, عن كل ما يُمزِّق ويُفرِّق ويبعد الانظار عن تفشي سرطان الصهيونية وتحالفاتها المشبوهة مع أنظمة عربية فاسدة ومُصطنعة ومُزيفة، بل يمضي قُدُماً في تقديم الرواية الصهيونية التي ستجد لها حتى قبل ان يُعلن ديفيد بن غوريون عن قيام «الحاضرة» اليهودية في مثل هذا اليوم من العام 1948ــ مَن يدعمها ويُناصِرها ويعطف عليها من العرب الذين ما فتئوا يرون في «اليهود» ابناء «عمومة» في تواطؤ معيب ومُعلن مع مشروعهم الاستعماري، الذي لفرط سذاجتهم بل وخيانتهم, ظنوا انه مجرد بحث عن «مأوى» لمن طاردتهم، وفي ذلك مبالغات واساطير مزيفة, موغلة في الكذب والتزييف وليّ أذراعة الحقائق.
ما علينا..
طوال عمرها الذي يقترب من عقده السبعين, واصلت النخبة الحاكمة في اسرائيل, مُراكمة القوة والاستفادة من تجاربها وخصوصاً حروبها العسكرية واختراق الأنظمة العربية والعمل بدأب ومثابرة على بث الفرقة والانقسام ونشر الشائعات واختلاق الروايات وتأجيج الصراعات الداخلية, والعمل على دعم أنظمة عربية في شكل معلن واخرى بطرق سرّية وخبيثة، اطالت عمر أنظمة هشّة ومصطنعة, وقوّضت اركان انظمة ظن بعضنا انها قابلة للحياة، ومرشحة للعب ادوار اكثر جذرية وقومية وبُعد نظر، ممن طفوا على سطح التاريخ العربي الذي في معظمه مزوّر ومبالغ في احداثه وكاذب في معظمه، فاذا بنا أمام كوارث لا تتوقف ونكبات تتوالد، وانظمة, لفرط تخاذلها واستخذائها, خرجت من دائرة الحياء والخجل, كي تعلن انتهاء «العروبة» وسيادة القُطرية ونهاية اسطورة القومية وأن الاولوية للهويات القطرية وتلك الفرعية, التي تمجّد وتعلي من شأن العشيرة والقبيلة وتفتح صفحات التاريخ – الذي في معظمه لا يشرف اصحابه – على ما شجر بين العرب العاربة والاخرى المستعربة من خلافات وحروب ومعارك بدأت «مزحة» وانتهت كوارث ونكبات لا تنتهي بات فيها «اليهودي» هو المُخلِّص والحامي, والملاذ الآمن الذي يلوذ به من تعرّى وانكشف وفقد كل أوراق التوت, التي تعفّنت ولم تعد قادرة على ستر عوراته التي ازدادت.
ظن كثيرون ان نكبة فلسطين ستكون الدرس البليغ الذي لن ينساه العرب, اذا ما ارادوا الحفاظ على بقائهم ومنع غوائل الاندثار والفناء وضمان بعض مستقبلهم الذي طالما شابه الغموض والالتباس والشكوك, وأن امثولة الشعب الفلسطيني في التهجير والتطهير العرقي وانعدام المسؤولية القومية والوطنية والاخلاقية, لدى معظم زعاماته التقليدية والاقطاعية, ستبقى ماثلة في اذهان الشعوب العربية الاخرى, كي تتجنب مصير ضياع الوطن الفلسطيني وربما مصير شعبه التي تشتت في المنافي وتحول الى «اوراق» لدى انظمة عربية, لم تتوقف عن رفع شعار تحرير فلسطين وان حربها مع الصهيونية هي حرب وجود وليست حرب حدود, الى ان اصبحت «مادة» للمساومة وفرصة لنيل رضى الدوائر الصهيونية والاستعمارية التي تُقرِّر مصائر الحكام ومستقبل الانظمة, وعمّاً اذا كان اقتصاد هذه الدولة او تلك «مكتوب» له أن يجتاز عنق الزجاجة أم يبقى في دائرة العوز وخدمة الدين واستدراك العثرات والازمات التي تُولِّد احتجاجات وتظاهرات وربما ثورات كتلك التي اجتاحت المنطقة قبل خمس سنوات, وما تزال تداعياتها الدموية تتوالى فصولاً مأسوية وكارثية.
في اسرائيل وفي خضم احتفالاتهم بـِ»استقلال» دولتهم, يدعون الى ان يقوم قادة الدولة العبرية بالتخطيط لنصف قرن مُقبل, كون لا خطر على اسرائيل عسكرياً في المديين المتوسط والبعيد, وان ما يسمى بالخطر العربي..قد تبدّد واندثر ولم يعد قائماً, وان على اسرائيل أن تجد لنفسها طريقة وآلية كي تندمج في المنطقة, ولكن من موقع القيادة والتوجيه وكتابة جدول اعمال أنظمتها والشعوب, التي لم يعد رابط العروبة «الاسمنت» التي يلصق فسيفساء التذرّر العربي, الذي يتقدم صفوفه الجهاديون والاسلامويون الجدد الذين خرجوا من عباءة حركات الاسلام السياسي, التي بدأتها جماعة الاخوان المسلمين, فيما العرب لاهون في معارك الكيد السياسي والثأر القبلي وتصفية الحسابات, لا يعلمون من أمور دنياهم, سوى التآمر ولا يُتقنون سوى الانتحار الذاتي وفقدان الكرامة والنبل والمشاركة – ولو المتواضعة – في كتابة التاريخ..
انها النكبات التي تتواصل, في اسوأ مراحل الانحطاط العربي.
(الرأي 2016-05-15)