وتد الفلسطيني!
العربي الذي سكت على دق الفلسطيني لأول وتد لخيمة، في هذه الدنيا، عام ثمانية واربعين، لم يكن يعرف، ان ذاك الوتد، سيتكاثر، وسينجب ملايين الاوتاد، وسيأتي احفاد العربي الساكت، لينالوا حصتهم من كل هذه الاوتاد والخيم لاحقا. قيل في النكبة الكثير، والذي لم ُيقل ان السكوت على نشوء اسرائيل، والتعامي عن قيامها، وقيام اغلب العرب، بالاعتناء بأنفسهم، تحت عنوان يقول هذه نكبة الفلسطينيين، وحدهم، فمالنا ومالهم، بل تعمد تشويه سمعتهم، من اجل التخلي عنهم، باتهامهم باطلا ببيع ارضهم، او الهروب، فيما كان يصونون اعراضهم، ويغادرون هربا من الذئاب، فهذا السكوت، كان بظن كثيرين نجاة في تلك اللحظات لكنه ثبت لاحقا، انه سكوت مدفوع الثمن لاحقا. لم يعد حديثنا اليوم، عن حق العودة للفلسطيني، وحسب، فاين حق العودة من بقية العرب المشردين، اذ ان اسرائيل التي استرخت واستراحت، تفرغت لبقية العالم العربي، الذي يعد خزان الدم لفلسطين، على ماهو مفترض، فأفشت في كل جوار فلسطين، وكل العالم العربي، وخصوصا، المشرقي منه، كل انواع البلاءات، والصراعات، والحروب، وتواطأ العالم دعما لانظمة تؤدي دورا وظيفيا، للتنكيل بشعوبها، وتجويعها والدوس عليها، وهكذا نرى اليوم، ان الخيمة لم تعد خيمة الفلسطيني وحيدا، بل باتت خيمة العراقي والسوري واللبناني والليبي واليمني والسوداني، والافق مفتوح لبقية العرب، ليس لكونهم هنا، المتهمين بضياع فلسطين، بل لكون كل المنطقة سكتت على الخيمة الاولى، واعتبرتها شأنا لايخصها، الا بقليل من طحين الاغاثة، وسردين الامم المتحدة. لم تكن يومها نكبة الفلسطيني، وحيدا، وليعذرني كل من يظنها كذلك، اذ للوهلة الاولى، تبدو نكبة الفلسطيني منفردا، لكنها في عمقها نكبة العرب، ونكبة امة بأكملها، لكنها امة مخدرة، لا ترى النار، من بعيد، ولا تعترف بها الا حين تحرق اطرافها، فتصيح لحظتها، ألما وشكوى. عدت الى الذاكرة التاريخية، فاكتشفت ان اول خيمة للاجئ فلسطيني، نصبت في نابلس، عام 1948 وهذه الخيمة كانت ولادة مثل امرأة ذات رحم خصب، اذ بعدها انتشرت ملايين الخيم في فلسطين، وكل مكان، والخيم التي تحولت الى بيوت اسمنتية، ليست نهاية القصة، اذ عندنا اليوم، اكثر من مئة مخيم في اكثر من ثمانية دول عربية، لعدة جنسيات عربية. الفلسطيني كان اول اللاجئين، لكنه ليس آخرهم، بل ربما يتأمل المشهد اليوم، بأسى شديد، حين يرى شقيقه السوري والعراقي، وغيرهما ينصبان الخيم في الهلال الخصيب، وهو هنا لا يتشفى، بل يدرك بغريزته انه مع كل لاجئ عربي جديد، تبتعد فلسطين عن مرمى حجره، شبرا، فما نفع التشفي، واشقاء الدم والروح، باتوا شركاء في ذات المصيبة، ثم يبقى السؤال عن الذي سيلتحقون السنين المقبلة بطوابير المشردين، والسؤال لايفرد هنا على بساط التمني، بل القلق والذعر معا، اذ يكفينا مافينا. انه الوتد الاول الملعون، الذي دقه ذاك الفلسطيني، فأنجب قبيلة كبيرة من الاوتاد والخيم، وكان رمزا للوتد الذي دق في قلوبنا، اسرائيل، وهو وتد سنخلعه يوما، جميعا، عربا ومسلمين، وعد رباني، لا ريب سيأتي، وسنكبر فوق تلك الارض، لاشك في ذلك ابدا، مهما تناسلت الخيم هذه الايام، ومهما ارتفع صوت الباطل، ومهما حدث وصار.
(الدستور 2016-05-16)