الشباب بين إنتاج المعرفة أو التطرف
حادثة محاولة الانتحار الجماعية لخمسة شباب أردنيين عاطلين عن العمل، الأسبوع الماضي، شاهد على كيفية تعاملنا، في الكثير من الأحيان، مع التحديات التي تواجه الشباب في مجتمعنا. فقد تعودنا الاستعاضة عن معالجة الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذا اليأس، بانتقاد المظاهر لحين، ثم وضع القضية جانبا كأن شيئا لم يكن. وللأسف، أضحت الوطنية لدى البعض تُختزل بالتغني بالوطن، من دون الانتباه لما يجري تحت الأقدام؛ كما التطبيل والتزمير للمواقف الرسمية، من دون الاعتراف بالتحديات أو الوقوف الحقيقي عند مشاكل الشباب. وأصبح تسليط الضوء على التحديات جحودا وخيانة!
لا علينا. قطاع الشباب يمر بتحولات عميقة؛ بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي جدا، بينما ما نزال مختلفين على التشخيص، بخاصة في ظل نظام تعليمي قاصر، ونظام اقتصادي عاجز عن خلق فرص العمل اللازمة لاستيعاب الأعداد الكبيرة التي تحاول دخول سوق العمل. وأكثر ما يؤلمني أن الدولة تبدو عاجزة، أو غير راغبة في الاعتراف بحجم المشكلة. وعندما بدأت بقراءة مقال الصديق محمد أبو رمان، قبل أيام، حول استدعاء الرئيس لعدة وزراء لمحاولة حل المشكلة، استبشرت خيرا، وعزمت على كتابة مقال يؤيد ما تم؛ لأكتشف في نهاية المقال أن الصديق أبو رمان كان يحلم، وأن شيئا من هذا لم يتم.
كل ذلك أدى إلى فقدان الثقة بشكل شبه تام لدى الشباب، في كل ما تقوله الحكومة. وهي ظاهرة مرعبة يعرفها كل من يحادث الشباب في مختلف المحافظات، ويجب أن تكون موضع قلق يومي للحكومة، ومصدر تحفيز لمعالجة أسباب ذلك من دون أي تأخير.
هذه الفجوة في الثقة، والبون الشاسع بين تطلعات قطاع الشباب والحكومة، يؤديان اليوم إلى مسارين متعاكسين. فالشباب لا يبدو أنهم بصدد انتظار الحكومة لحل مشاكلهم. هناك جزء يستخدم التكنولوجيا لخلق المعرفة، بعد أن أصبح الوصول للإنترنت متاحا لأكثر من 240 مليون عربي حالياً، عن طريق الهواتف المحمولة بشكل رئيس، ولكل الشباب العرب بحلول العام 2020. وقد أدى ذلك إلى خلق شركات معلوماتية كبيرة لم نعهدها من قبل، ذات قيمة سوقية عالية. وهي شركات ساهم في إنشائها العديد من الشباب الأردنيين، ولو أن أغلبهم في دبي، تقوم اليوم بإنتاج المعرفة بتسارع كبير.
هناك مسار آخر يسلكه الشباب، مستخدمين الإنترنت أيضا في الكثير من الأحيان، وتستخدمه الجماعات الإرهابية، بكفاءة عالية، للوصول للشباب ونشر الأفكار التكفيرية والإقصائية بينهم. هذه الجماعات تحاكي الشباب بلغة يفهمونها، وبكفاءة عالية تستخدم لأغراض هدامة.
يجري هذان المساران المختلفين تحت أقدامنا، بينما تنهمك الحكومة في التفكير بسياسات من قبيل فرض الرسوم على المكالمات الهاتفية التي تجرى عبر الانترنت، وترفض الاعتراف بحجم المشكلة التي يعانيها القطاع التربوي.
هناك حاجة ماسة لحوار جاد مع الشباب، وتلمس المشاكل التي يعانون منها بشكل مباشر. مثلما هناك حاجة لخطة اقتصادية وتربوية جادة، تساهم في خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة. لكني لا أشعر أن الحكومة على تماس بالتحولات الكبيرة التي تجري في هذا القطاع، أو أنها تقوم بما يكفي لخلق المناخ المناسب الذي يشجع الإبداع والابتكار.
العالم يتغير بسرعة كبيرة؛ فإما أن نكون مستعدين لمواكبة هذا التغير ومحاكاة الجيل الجديد باللغة التي يفهمها وليس بالأساليب التقليدية القديمة التي نفهمها نحن فقط، فنخلق نظاما بيئيا (Eco System) جديدا يفجر الطاقات الكامنة لدى شبابنا بشكل إيجابي، كما تفعل دبي؛ أو نستمر في تجاهل مشاكل الشباب، ونصر على الحديث بلغة لا تنفذ لعقولهم، فيؤدي ذلك للإحباط الذي قد يتطور للتطرف.
ويبقى الخيار لنا، لأن التجربة تعلمنا أن الفراغ الذي يخلق، يُملأ من الآخرين إن لم نكن نحن على استعداد لملئه.
(الغد 2016-05-18)