نصر الله إذ يستعين بجنرال أمريكي متقاعد!!
حين يتخذ السياسي مسارا خاطئا، يكون عليه أن يُكثر من التفسير والتبرير، ويُكثر من الظهور أيضا، وقلنا مرارا إن نصر الله ظهر خلال أعوام الثورة السورية أضعاف ما ظهر منذ توليه قيادة حزب الله قبل عقدين، وخلال الأيام الأخيرة ظهر ثلاث مرات، وهو ما لم يحدث من قبل، وبالطبع لأن المأزق يتعمق، والحاضنة ترتبك، ويغدو من الضروري ترميم معنوياتها. ولعل أكثر ما أثار السخرية في إطلالته ما قبل الأخيرة (الخميس) هو اضطراره، وفي سياق إثبات نظرية بائسة عن علاقة أمريكا بمن يسميها “الجماعات التكفيرية”، وأن هدفها هو استهداف تيار المقاومة الذي يمثله هو وسيده في طهران “خامنئي” إلى الاستشهاد بهيلاري كلينتون، وبجنرال أمريكي متقاعد، ويفصّل ويتحدث عن ترجمة أقوالهما (وروايات المترجمين!!)، الأمر الذي هبط به إلى مستوى بعض أبواقه ممن يرددون ذات الهراء، ويحلوا لبعض البرامج اللبنانية الساخرة أن تتهكم عليهم بسببه. بدأ نصر الله القصة بقول التالي: “بعض الناس عندما يخرج سماحة السيد القائد والكثير من المسؤولين والعلماء والسياسيين، ليحمّلوا أمريكا المسؤولية (عمن يسميها الجماعات التكفيرية طبعا)، يخرجون ويقولون: ما ذنب أمريكا؟ هذه حركات اسلامية جهادية ومتشددة وبعضها تكفيري. هل هؤلاء يقاتلون لمصلحة الأمريكان ويمشون بمصالحهم؟ هل ممكن أن يتعاون الأمريكيون مع من يحمل هذا الفكر؟ والسؤال الثاني ما الدليل؟”. لاحظوا المقدمة التي تثبت أن ما يقوله أصحابه لا يمر على العقلاء، والحاجة تبعا لذلك إلى تسويقه منطقيا أولا، والإتيان بالدليل ثانيا. هنا يبشّر أتباعه بأنه سيأتي بشاهد قديم وآخر جديد؛ الشاهد القديم من عام 2009؛ ومن شهادة لهيلاري كلينتون حين كانت وزيرة للخارجية قالت فيها “دعونا نتذكر أن الناس الذين نحاربهم اليوم مولناهم منذ عشرين سنة”. ولمزيد من إثارة السخرية قال نصر الله “عندنا من الإخوان واحد ترجم مولناهم، وواحد ترجم أوجدناهم (تخيلوا أية كلمة إنجليزية تحتمل هذا الخلاف في الترجمة؟!). وما يثير السخرية أكثر أن نصر الله أو من كتبوا له الكلمة نسوا شطب قول كلينتون “الناس الذين نحاربهم”، حسب نقله هو، بينما يقول سيده خامنئي؛ ويردد هو أن العلاقة قائمة إلى الآن، كأن ما يجري من حرب عليهم في العراق وفي سوريا؛ ومن اغتيالات في اليمن والصومال وباكستان وغيرها بطائرات بدون طيار.. كأنها مجرد ألعاب متفق عليها!! أي ابتذال؟! ودعك هنا من سخف “الإيجاد وخلاف الترجمة!!”، كأن المنظمات العقائدية الكبرى تنتج في أقبية المخابرات، وليست نتاج ظروف موضوعية، فيما قد تتلاقى مصالحها مع آخرين، كما التقت مصالح مجاهدي أفغانستان مع أمريكا ضد السوفييت (كان بينهم شيعة هزارة للتذكير). الدليل الثاني حسب نصر الله “مقابلة مع جنرال أمريكي معروف ومتقاعد (حدد تاريخها وأنها مع سي أن أن لإقناع الجمهور الذي يصفق للقائد الملهم!!). الجنرال العتيد يقول إن “واشنطن وحلفاءها هم الذين أنشأوا جماعة داعش لمواجهة حزب الله في لبنان”. وأن “الهدف من داعش هو تدمير حزب الله”، وأن “واشنطن ساهمت في تسهيل الحملة الإعلانية الترهيبية لجرائم داعش”. بالله عليكم، هل يمر هذا الكلام على عقول الأطفال، فضلا عن السياسيين، وهل قاتل تنظيم داعش الأمريكان، وساهم في إخراجهم من العراق لأجل استهداف حزب الله لاحقا؟! أليس مثيرا للسخرية أن يهبط خطاب قائد بهذا الوزن إلى مثل هذا المستوى السخيف، وكل ذلك من أجل تبرير تورط حزبه في قتال شعب ثار ضد دكتاتور فاسد؛ أسوة بشعوب أخرى سبقته ضمن سياق ربيع العرب؟!
(الدستور 2016-05-19)