مُؤتَمِرو فيينا: الحل السياسي «مؤجل»!
لم يتمخض اجتماع السابع عشر من أيار الذي انتهى للتو في فيينا, بدعوة مُلّحة وضغط فرنسي كبير, خَلص مراقبون الى انه سعي محموم من باريس لايجاد مقعد «ما» لها على طاولة الأزمة السورية. حلاً سياسيّاً أم دعماً للخيار العسكري، نتيجة شعور قصر الإليزيه، بأن فرنسا قد استُبعِدت وباتت ملفات المنطقة وعلى رأسها «أبو الملفات» الملف السوري حصرياً في يد واشنطن وموسكو.. لم يتمخض اجتماع فيينا عن اي نتيجة تُذكَر، رغم ما حفِل به البيان الذي قرأه رئيس الدبلوماسية الأميركية جون كيري في المؤتمر الصحفي الثلاثي (مع لافروف ودي ميستورا) وظهرت الهوة التي تفصل بين مواقف اميركا وروسيا واضحة, لم تُخفِها محاولات الايحاء بان ثمة تفاهماً مشتركاً وان الأمور محكومة بقدرتهما على تجسير هذه الهوة والتقليل من اهمية الخلافات, سواء في ما خص مستقبل الرئيس السوري في العملية الانتقالية، ام في شأن تحقيق المطلب الروسي الداعي الى تأكيد الفصل بين ما تُوصف بفصائل المعارضة المعتدلة (المُسلّحة) وبين داعش وخصوصاً جبهة النصرة, التي وان كانت مُصنّفة إرهابية بقرار من مجلس الأمن وايضاً على اللائحة الاميركية، إلاّ أن واشنطن ترى فيها «ورقة» ضغط مهمة في مواجهة الروس والنظام السوري, وتغطية على الدور الذي تقوم به أنقرة وبعض العواصم في رفع وتيرة الدعم اللوجستي والتسليحي لجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام، رغم فشل موسكو في اقناع مجلس الأمن. بإضافة أحرار الشام وجيش الإسلام إلى لائحة المنظمات الإرهابية, وقد نهضت واشنطن وباريس ولندن وأوكرانيا (عضو غير دائم) في احباط مشروع القرار الروسي.
ماذا عن استئناف المفاوضات؟
من تابع ردود كيري ولافروف (ولاحقاً تفسيرات المبعوث الدولي الخاص دي ميتسورا) لاحظ بوضوح ان لا موعد محدداً لاستئناف مفاوضات جنيف يلوح في الأفق، وان الذين التقوا في فيينا قد فشلوا في الاتفاق على ذلك، رغم ان جان مارك ايرلوت وزير الخارجية الفرنسية قال: القوى «الكبرى» اتفقت على الدفع باتجاه استئناف المحادثات بحلول حزيران المقبل..»إن أمكن»... وفي الكلمة الأخيرة تكمن القطبة المخفية، التي أراد الوزير الفرنسي الايحاء بوجودها، رغم اعتقاده الجازم بأن الأمور ليست في يد القوى الكبرى، بل في قوتين منهما فقط, هما موسكو وواشنطن، وهما مختلفان في كثير من المحطات والقراءات، لهذا لم تعد مسألة تحديد موعد للعودة الى جنيف اولوية، بقدر ما بات العمل على جعل اتفاق وقف العمليات العدائية الذي بدأ العمل به في السابع والعشرين من شباط الماضي وتعرض للانهيار والخرق اكثر من مرة وعلى اكثر من جبهة, الى «هدنة دائمة» اتفق كيري ولافروف على كيفية وآلية تحديد من هو الذي يخرق هذه الهدنة كي يصار الى استبعاده من المشاركة في المفاوضات، وهي صيغة مُلتبسة وحمّالة اوجه وبخاصة ان المنظمات المسلحة ذات قدرة على المناورة والتخفّي اكثر مما يستطيعه الجيش السوري وقطاعاته المختلفة, الأمر الذي قد يخلق مصاعب عديدة ويفتح الطريق (والمبررات) امام واشنطن وبعض العواصم الاقليمية, كي تواصل دعم منظمات الارهاب وتحميل المسؤولية للجيش السوري.
هل قلنا الجيش السوري؟
نعم...اذ كانت لافتة عبارة الوزير لافروف عندما قال رداً على سؤال لصحفي أميركي: نحن لا ندعم الرئيس السوري بل ندعم حرب الجيش السوري على الارهاب، بما هو القوة الاكثر فاعلية على الارض رغم ضعفه, كذلك فاننا ندعم الدولة السورية التي هي عضو في الأمم المتحدة.
هنا تبرز حقيقة الخلاف الروسي الاميركي، حيث تسعى ادارة اوباما في شهورها القليلة المتبقية، إلى التمسك برفضها بقاء الرئيس الاسد في موقعه، كي تواصل سياستها وسياسة «أصدقائها» في المنطقة لاستنزاف روسيا وانهاك الدولة السورية، وعمادها الجيش السوري (في المواجهة العسكرية تحديداً ) ، فيما لا تُخفي موسكو رغبتها في «انضاج» مناخات ملائمة لتوافق مع واشنطن, يحول دون انتظار الرئيس أو الرئيسة الاميركية الجديدة، والبدء في فتح الملفات من جديد، نظراً لما ينتظرها (خلال فترة الانتظار) من احتمالات ومناخات وربما تقلّبات واختلالات في موازين القوى.
ماذا عن المرحلة الانتقالية؟
حديث كيري عن الاول من آب الوشيك، لبدء المرحلة الانتقالية ,كان حذراً ولافتاً وخصوصاً قوله: الأول من آب هو «هدف» وليس مهلة اجبارية لبدء المرحلة الانتقالية، مما يزيد من الشكوك بان ادارة اوباما (ربما) تكون اتخذت قرارها بـِ»عدم» التوصل الى «اتفاق» مع موسكو والابقاء على الحال الراهنة, كمرحلة تقطيع للوقت, كي لا تمنح روسيا المزيد من الاوراق المهمة في مواجهة الادارة الجديدة, التي يُعتقَد انها ستكون ديمقراطية, نظراً للرفض الاميركي المتصاعد لوصول الجمهوري غريب الاطوار, دونالد ترامب للبيت الأبيض.
هل تدفع واشنطن و»حلفاؤها» ثمن لعبة شراء الوقت التي تمارسها باحتراف و...مراوغة؟
.. الأيام ستقول.
(الرأي 2016-05-19)