تقرير مهم!
التقرير السنوي الذي تصدره إدارة المعلومات الجنائية، على درجة كبيرة من الأهمية، من أكثر من زاوية؛ في مقدمتها أنّه يضعنا في صورة رقمية دقيقة لانتشار الجرائم والخروج على القانون، سواء على صعيد الانتشار الجغرافي (الأقاليم)، أو المرتكبين (أحداث، طلبة، أجانب، وعاطلون عن العمل)، وكذلك أنواعها (اعتداء على الإنسان، الإدارة العامة، على الأموال، المخدرات، وغيرها من جرائم مختلفة ومتعددة).
يمثّل تقرير هذا العام مقياساً مفيداً ومهماً لدراسة أكثر من ظاهرة، ومراقبة الحالة الاجتماعية. ولعل الملحوظة الأساسية فيه أنّه يتحدث عن تراجع في عدد الجرائم ونسبها في العام 2015 مقارنة بالأعوام الأخيرة؛ إذ وصلت إلى أقل رقم منذ العام 2010، وتراجعت عن العام 2014 بنسبة 9.55 %.
أغلب أنواع الجرائم شهدت تراجعاً مقارنة بما سبق. ويمكن ملاحظة عدم وجود فروق كبيرة في الجرائم، مثلاً، التي يرتكبها الأجانب، بالرغم من حجم الهجرة واللجوء الهائل إلى الأردن خلال الأعوام الماضية؛ إذ نجد في الأرقام أنها تراجعت من 3753 جريمة في العام 2014، إلى 3587 جريمة في العام 2015.
لو قرأنا الإحصاءات والأرقام المشابهة لكل من العاطلين عن العمل والطلبة والأحداث مقارنة بالمجموع العام للجرائم، سنجد أنّ الجريمة الأكثر انتشاراً هي الاعتداء على الأموال العامة، وتحديداً "السرقة الجنائية"، إذ تصل نسبتها إلى 67.66 % في العام 2015.
معلومات ومؤشرات مطمئنة نسبياً، تحتاج إلى درجة أكبر من التدقيق والدراسة، ومقارنتها بإحصاءات وأرقام أخرى وظواهر عديدة. فالتحول من ظاهرة أو سلوك إلى جريمة أو جنحة عملية قد لا تكتمل أركانها، لكنّها تكون أخطر بكثير. وكنا سابقاً قد تحدثنا عن قلق انتشار الرشوة بين الموظفين في القطاع العام، أو الفساد الصغير، وفق التقارير الدولية، وهي ظاهرة لم تخضع بصورة دقيقة بعد للمحاسبة والمساءلة والقضاء، لذلك لا تشملها الأرقام الأخيرة.
وإذا كنا نعتبر هذه الإحصاءات علامة على انتصار مفهوم "دولة القانون" بعد تراجع الجريمة، وأنّه ثمرة لحملة تطبيق القانون، وقد يكون هذا جزئياً صحيحا، إلاّ أنّ علينا أن نؤخر الاحتفال قليلاً، فما تزال هناك ظواهر وثغرات عديدة لم يتم علاجها، وتحتاج إلى ما هو أكثر من هذه الأرقام!
ومن الأمثلة على ذلك أولئك الذين يتنمّرون على القانون بصورة غير مباشرة، أو الفساد المخفي أو المقنّن، مثلما يستقوي البعض على الآخرين بالسلطة والنفوذ. وكنت قرأت قبل أيام صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي "يحدث في الأردن"، تتحدث عن هذه الظواهر. بالطبع، لا أملك تأكيدها أو نفيها، لكن من الضروري أن تتشكل لجنة لها مصداقية واستقلالية تحقق في هذه الأقاويل والظواهر، وتحاسب من تثبت إدانته بارتكابها. كما نسمع عن المحسوبية والرشوة والفساد المخفي قصصاً كثيرة.
الآن بالعودة إلى التقرير المذكور، فبالرغم من المؤشرات الإيجابية، إلا أنّ هناك مؤشرات سلبية خطيرة في مجالين من المفترض أن يتم الانتباه إليهما، فهما الوحيدان اللذان شهدا ارتفاعاً في الجريمة.
المجال الأول، هو المخدرات. إذ الجرائم المرتبطة بالمخدرات في ارتفاع مستمر منذ العام 2011، ووصلت العام 2015 إلى 11062 جريمة، بزيادة 4.44 %. ومن الملاحظ أنّ هناك قفزة خطيرة حدثت بين العامين 2013 و2014، بنسبة 73.27 %، ما يدفع إلى التساؤل عن الأسباب المخفية التي حدثت ودفعت بجرائم المخدرات إلى هذا المستوى العالي في آخر عامين.
المجال الثاني، هم الأحداث. فعدد الجرائم التي يرتكبونها زاد ليصل إلى 2664 جريمة في العام 2015، مرتفعاً بنسبة محدودة عن العام السابق.
على العموم، ارتفاع نسبة الجرائم المالية، وتحديداً السرقة، وجرائم الأحداث، هي مؤشرات على تأثير الفقر والضغوط على الطبقة الوسطى.
(الغد 2016-05-23)