الحالة تعبانة يا عجلون!
![الحالة تعبانة يا عجلون! الحالة تعبانة يا عجلون!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/c44ef45ed253bfedb6875d1b4fcb9e7c.jpg)
تقرير مطول عن محافظة عجلون كتبه الزميل عامر خطاطبة (ونُشر في "الغد" أمس)، يكشف حجم الاختلال والفشل الذريع في إدارة الموارد السياحية الهائلة التي حظي بها الأردن. وهي أوضاع، بالمناسبة، لا تنطبق على محافظة عجلون وحدها!
المفارقة التي يقدمها لنا التقرير تتمثل في أنّ هذه المحافظة التي وُهبت قرابة 250 موقعاً سياحياً جذّاباً، وتنوعاً في طبيعة هذه المواقع، ما دفع إلى تقسيمها لأربعة مسارب سياحية؛ بين آثار تاريخية في مقدمتها قلعة عجلون، ومحميات طبيعية، هي المحافظة ذاتها التي تعاني من فقر مدقع، ونسبة بطالة مرتفعة جداً!
ووفقاً لوزارة التخطيط (مع التذكير أنّ هذه الأرقام ملطّفة)، فإنّ هناك 3 جيوب فقر في المحافظة، ونسبة بطالة تبلغ 11.4 %، فيما وصل الفقر إلى 25.6 %، مقارنة بالمعدل العام في المملكة الذي وصل إلى 14.4 %.
ليست هذه هي المفارقة الكبرى، بل المفارقة العظمى التي تلخص معضلة الأردن والاستثمار والاقتصاد والمديونية والبطالة وسوء الإدارة وتداخل السياسي بالاقتصادي وفشل الدولة البنيوي، هي أن نسبة المشتغلين في القطاع العام من سكان المحافظة (يعني في الدولة ومؤسساتها) تبلغ 53.4 %، بينما (ويا للكارثة) نسبة العاملين في قطاع السياحة من أبناء المحافظة هي فقط 1.3 % فقط، أي أنّ فرص العمل في المحافظة تأتي من الدولة وفي مؤسساتها، بينما السياحة التي من المفترض أن تدر أموالاً طائلة على أبناء المحافظة لا تأتي بشيء من فرص العمل أو الأموال!
هل المشكلة بنية تحتية؟ نعم بالتأكيد. أم المشكلة ثقافة اجتماعية؟ هي كذلك. أم المشكلة سياسات الدولة التراكمية وغياب أي إدراك لأهمية السياحة وكيفية ترويجها وتطويرها؟ بالتأكيد. أم المشكلة في سياسات الدولة التي دفعت أبناء المحافظات خلال عقود إلى تقديس القطاع العام واستبداله بالعمل الحر؟ نعم هي كذلك... لكن في النهاية؛ عجلون وجرش والبترا والأغوار والكرك وأم قيس...، بمثابة قصص فشل سافرة، ونماذج على غياب الهوية الاقتصادية للدولة والمجتمع.
الطريف أننا نقرأ أمس (في "الغد") بجوار تقرير عجلون، خبراً آخر عن ارتفاع معدل سفر الأردنيين إلى الخارج بنسبة 5 % في الربع الأول من العام؛ إذ بلغ حجم إنفاق الأردنيين على السفر خلال تلك الفترة 217 مليون دينار. وبحسبة بسيطة، فإن إنفاق الأردنيين حتى نهاية العام (بالمعدل نفسه) قد يصل إلى مليار دولار. ولو أنفق النصف على السياحة الداخلية، لأدى إلى توفير آلاف فرص العمل، وليس قرابة 100 فرصة وفق وزارة العمل!
عودة خاطفة لأرقام إنفاق الأردنيين على السياحة في الخارج، في منتجعات تركيا وشرم الشيخ ودول مجاورة لا تختلف بل تقل قيمتها السياحية عن مواقعنا، لنكتشف أن السياحة الداخلية وحدها كانت كفيلة بإنعاش هذا القطاع وتوفير فرص عمل وعملة صعبة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
البنية التحتية مهمة جداً، كما الوعي السياحي والتدريب والتأهيل لأبناء المناطق، وأيضا الإعلام ودور السفارات. وهذه كلها عوامل فشلنا فيها بنسبة 100 %.
ثمة قصة طريفة، وربما فاجعة، ترويها لي صديقة أجنبية تعمل في الأردن؛ إذ تقول إنها دعت شباباً أردنيين في جولة سياحية داخلية، لزيارة محمية ضانا في الجنوب، والتخييم هناك. فتفاجأت بأن هؤلاء الشباب الأردنيين يلومونها بأنها لم تخبرهم بأن المحمية تقع في مناطق جبلية، ولم يستعدوا لذلك، فكانوا يظنونها أرضاً منبسطة!
كم من الزوار الغربيين يأتون إلى الأردن وهو يعلمون عن الأماكن السياحية أكثر من الأردنيين، الذين أصبحوا يتوافرون على ثقافة واسعة عن مرمريس وماربيا وقبرص وشرم الشيخ والحمامات التونسية؟!
(الغد 2016-05-24)