عصر الأشباه !!
![عصر الأشباه !! عصر الأشباه !!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/a39b5d7b497d16bb8dfca74c9acb2bfd.jpg)
لم يسبق لعصر أن حمل من الصفات القاسية ما حمله هذا العصر الذي نموته اكثر مما نعيشه، فهو كما سماه مورافيا عصر اللامبالاة، وهو بالنسبة لكولن ولسون عصر الشك، والحقيقة ان هناك صفة تليق بهذا العصر اكثر من كل الصفات هي عصر الاشباه، فالتقليد بلغ ذروته، ليس فقط في الصناعات التي تولت الصين محاكاتها بمعزل عن جوهرها، بل في البشر ايضا، فهم يشبهون بعضهم الى حد يثير الرعب وليس الدهشة فقط، وكأنهم يقلدون كائنا او نموذجا مقررا عليهم من خلال الميديا ووسائل التواصل . وبقدر ما يتشابهون لا يشبهون انفسهم على الاطلاق، لأن تبديل الاقنعة يتم بسرعة تفوق السرعة التي تبدل فيها الثياب الداخلية . عصر الاشباه حذف الاختلاف من قواميسه، واوشكت العملة الرديئة ان تطرد العملة الجيدة بعكس ما يقال في مثل هذا السياق، وقد اصبحت الاصول مهددة بالانقراض ليس فقط من الطبيعة بل من البشر ايضا، فمثلما حل البلاستيك مكان الجلد والزجاج مكان الماس، حلّ الشبيه مكان الاصل، بعد ان تقمّصه وحاكاه بحيث اصبح التقليد لفرط الاتقان والانتشار اقرب الى التقريد . لهذا فان الالتباس بلغ ذروته واصبحنا بحاجة الى خبراء في السايكولوجيا كي يفرزوا لنا الاصل من الصورة تماما كما يفعل خبراء المجوهرات والحجارة الكريمة والمخطوطات . لقد اصبح الاختلاف ذنبا يجب الاعتذار عنه، وعلى المرء ان يضع رأسه بين الرؤوس حتى لو قطعت، وعليه ايضا ان يشرب من نهر الجنون كي لا يصبح بعيرا اجربَ ومطرودا من القافلة . عصر الاشباه تقل فيه المغامرة ويشح الابداع؛ لأن الحوافر تقع على الحوافر كما قال نقادنا القدماء، ومن يصر على الاختلاف بسبب تكوينه وليس رغبة في التفرد هو كمن يتشبث بالجمرة التي تحرق اللسان والاصابع وتصل الى القلب . ولأنه عصر اشباه فهو يخلو من ابطال حقيقيين، ويستبدلهم بابطال وهميين من ورق كما استبدل مواد الطبيعة الاصلية بصناعات كيماوية تنهش الجسد والأحشاء معا!..
(الدستور 2016-05-24)