عن تأثير خسارة القادة بمناسبة اغتيال زعيم طالبان
![عن تأثير خسارة القادة بمناسبة اغتيال زعيم طالبان عن تأثير خسارة القادة بمناسبة اغتيال زعيم طالبان](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/d85ff246152446f9df65aec8a79061b1.jpg)
ربما لا يبدو هذا السؤال كبير الأهمية في الحالة المشار إليها في العنوان، أعني اغتيال زعيم حركة طالبان الجديد الملا أختر منصور، فالرجل ليس معروفا بقدرات خاصة، وتخلل تعيينه بعد الملا عمر كثير من الجدل، الأمر الذي يختلف كثيرا عن سلفه المؤسس، لكننا نتحدث في الإطار العام، حول سؤال تأثير غياب القادة والمؤسسين؛ قتلا أو اعتقالا على حركات التغيير الثورية أو العقائدية، وهو سؤال طرح هذه المرة، ويطرح دائما في الحالات المشابهة. في سياق التبشير العقائدي، وكذلك السياسي، من الطبيعي أن يقول الناس إن الحركات والأحزاب والجماعات الكبيرة، قادرة على الدوام على احتمال غياب القادة، ومن ثم توفير البدائل لهم في زمن سريع، إذا لم يكن البديل متوفرا من الأصل، لكن الأمر يستحق بعض التوقف، لأنه ليس بهذه البساطة، وإلا لكان العدو الذي يمارس سياسة الاغتيال والاعتقال بحق القادة ويتحمل الكثير من أجل تنفيذها وتبعا لها غبيا، وذلك ليس صحيحا، لأن هذه السياسة دأب عليها جميع الطغاة، كما جميع القوى المحتلة والغازية. الذي ينبغي قوله ابتداءً هو أن القادة “الكاريزماتيين” بالتعبير الغربي، وذوي القدرات الخاصة ليسوا كثرة في كل الأحوال، وبعض الحركات لا تحصل عليهم أصلا في أكثر محطاتها، وتكتفي بالقادة من الدرجة الثانية، وإن دفعت الظروف نحو تقدم تلك الحركات تبعا لمعادلات أخرى. دائما كان القادة القادرون على الإلهام، وتجميع الناس من حولهم، والذين يتصفون بالحكمة والشجاعة.. دائما كانوا قلة، بخاصة من يملكون جملة القدرات القيادية المميزة مجتمعة، ذلك أن القائد قد يملك الشجاعة، لكنه لا يملك الحكمة، وقد يملك الحكمة، لكن تنقصه الشجاعة، أما جمع الحكمة والشجاعة، مع الصفات الأخلاقية الملهمة، فهو أمر بالغ الندرة في المجتمعات عموما، وفي الحركات. وحين تحدث القرآن الكريم عن الحكمة قال: “ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”، أي أنها تُؤتى، أكثر مما تكتسب، وقد ينتقل أحدهم من مربع أيديولوجي إلى آخر، لكن صفة الحكمة والشجاعة تبقى ملازمة له كما أوضح الحديث “خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام إذا فقهوا”. الطغاة، والمحتلون والأعداء بمختلف تصنيفاتهم لا يقتلون أو يعتقلون اعتباطا، فهم يدركون أن بعض الشخصيات تمثل نقاط ارتكاز قوية في الحركات، ولذلك يلجئون إلى قتلها أو اعتقالها من أجل إضعاف حركاتهم أو تغيير مسارها، وهذا حقيقي وواقعي، وينجح في بعض الأحيان. ثمة جانب إيجابي ولا شك لاستشهاد القادة أو اعتقالهم في سبيل فكرتهم، يتمثل في المدد العقائدي والمعنوي الذي يمنحه ذلك للكوادر، لكن ذلك لا يوازي في الغالب الخسارة التي تترتب على ذلك. هذا في الغالب الأعم، لكن يحدث مثلا أن يصعد إلى سلم القيادة بعد القائد المستهدف شخص أكثر كفاءة، لكن تلك حالة نادرة، وغالبا ما يتم استهدافه بعد ذلك. ونتذكر كيف حدث مثل ذلك في حالة الشيخ أحمد ياسين، إذ ما لبث الغزاة أن اغتالوا الدكتور الرنتيسي الذي كان قائدا متميزا بكل المعايير. هذا مجرد مثال، وقتل القادة واحدا إثر الآخر معروف في كثير من الحركات، وكان لحركة فتح نصيب وافر من ذلك أيضا، ومثل ذلك في ما لا يحصى من قوى التغيير في التاريخ. لا يتعلق الأمر بالقائد رقم واحد فحسب، فهناك في الحركات نقاط ارتكاز قوية غير القائد الأول، وهؤلاء كثيرا ما يُستهدفون أيضا بالاغتيال والاعتقال، والمثال الصهيوني صارخ على هذا الصعيد، إذ دأب الغزاة على التأثير على الفصائل من خلال سياسة الاغتيال والاعتقال، ومن يتأمل سيرى كيف أن كل عملية اغتيال كانت مدروسة بعناية. يبقى القول إن التجدد والتجديد هو سنّة الحياة، وقد يغيب القادة بشكل طبيعي، ويجري تعويضهم بهذا القدر أو ذاك، وعموما لا يمكن حصر تقدم الحركات وقوى الثورة والتغيير بهذا العامل وحده، فهناك ما لا يقل أهمية، بل قد يتفوق من حيث التأثير ممثلا في حيوية القضية والحاضنة الشعبية، فضلا عن العوامل الخارجية ذات التأثير الكبير أيضا، وتلك قصة طويلة استهلكت عددا لا يحصى من المؤلفات، وما أردناه في هذه السطور هو الجانب المتعلق بالقادة وحسب.
(الدستور 2016-05-24)