هل أصبحت المخدرات مشكلة أردنية؟
ما تزال بعض المؤسسات الرسمية تؤكد أنه لا توجد لدينا مشكلة مخدرات حقيقية، وأنه لا يوجد ما يثير القلق، لأن الظاهرة تحت السيطرة. لكن الأرقام حول المخدرات التي أفصح عنها التقرير الإحصائي الجنائي الصادر عن مديرية الأمن العام، يدل على أن ظاهرة تعاطي المخدرات واسعة الانتشار، وهي أيضاً في تزايد بشكل كبير.
التقرير يشير إلى أن قضايا المخدرات التي تم ضبطها تضاعفت ثلاث مرات تقريبا بين العامين 2010 و2015. والبيانات التي يتضمنها التقرير تشير إلى حالات الاتجار وترويج المخدرات والتعاطي بها أيضاً.
جهود الأمن العام في هذا المضمار جبارة، والإنجازات واضحة للعيان، من خلال الأرقام الواردة في التقرير، ومن جهود كل الأجهزة الأمنية في إحباط محاولات تصدير المخدرات للأردن وترويجها فيه.
الأمن العام يقوم بدوره في مكافحة "العرض" في مشكلة المخدرات، أي مكافحة التهريب والتعاطي؛ ويقوم أيضا بجهود ملموسة في الجانب العلاجي، والتوعوي من خلال المحاضرات والندوات في المدارس والجامعات وغيرها من الأماكن. لكن تعاطي المخدرات لا يتم دوما في العلن، ولا يتم دوماً بالمخدرات التي يتم ترويجها من قبل الجماعات والشبكات التي تقوم بالترويج لهذه الآفة، وهناك طرق مختلفة للحصول على المخدرات، وبخاصة المستخدمة في المجال الطبي وغيرها.
أضف إلى ذلك أن التعاطي قد يتم بعيداً عن الحياة العامة، وعن أنظار الأهل والرقابة. وبالتالي، فإن الأرقام التي يتضمنها التقرير، على أهميتها، لا تمكننا من تحديد نسبة تعاطي المخدرات في المجتمع أو انتشار الظاهرة بشكل دقيق تماما، وهو ما يتطلب دراسات مسحية متخصصة، ليس فقط لمعرفة حجم الظاهرة، وإنما لتحديد الفئات المتعاطية وخلفياتها، وأماكن وأسباب التعاطي.
الدراسات التي تعرضت لهذه الظاهرة جزئياً، موجودة منذ العام 2009 على الأقل، وآخرها دراسة الجامعة الأردنية. وتشير الدراسات إلى وجود نسبة تعاطي تتراوح بين 4-5 % بين الشباب. لكن، وللأسف، فإن هذه الدراسات لم تحظ بالاهتمام اللازم من قبل المؤسسات الحكومية ذات العلاقة.
البعد الثاني المهم لفهم هذه الظاهرة هو ازدياد الطلب على تعاطي المخدرات، والذي بحاجة لنقاش أكثر مما يتسع له هذا المقال. لكن لا بد من أخذ التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي مر فيها المجتمع الأردني بعين الاعتبار، كالعولمة، والتحول للقطاع الخاص، وثورة المعلومات، والهجرات، وزيادة عدد الشباب، وتراجع سلطة الأهل والأسرة والمدرسة في الرقابة والتربية. بعبارة أخرى، فإنه لا يمكن فهم هذه الظاهرة بمعزل عن الظواهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعرض لها المجتمع الأردني في العقود الماضية.
المؤكد الآن أن تعاطي المخدرات أصبح منتشراً لدرجة تستحق الاهتمام والمتابعة على المستويات كافة، الرسمية والأكاديمية. وحتى الآن، فإن المؤسسات الأمنية هي المؤسسات الوحيدة التي تتصدى بشكل منهجي ومؤسسي لهذه الظاهرة، لكن يجب الاعتراف أن هذه الظاهرة ليست أمنية فقط، وإنما هي صحية واقتصادية واجتماعية ونفسية، وبالتالي لابد من التعامل المؤسسي في التصدي لها.
الخطوة الأولى في التعامل مع هذه الآفة الخطيرة هو الاعتراف بوجودها، ثم الإحاطة المعرفية بكل جوانبها، تمهيداً لوضع استراتيجية شاملة للتصدي لها. لم يعد لدينا ترف الإنكار أو الانتظار، فالمخدرات آفة لها آثار مدمرة على المجتمع والأفراد وبخاصة الشباب منهم.
(المصدر: الغد 2016-05-26)