الفلوجة بين القصف الأمريكي والقصف الطائفي
الأمريكان يقصفون الفلوجة من الجو، بينما يدير سليماني عمليات القصف من الأرض؛ (القصف بالأسلحة، والقصف الطائفي بالخطابات والتحريض)، عبر مليشيات صنعها بيديه. وفي الخلفية خامنئي يخطب ضد أمريكا، ونصر الله وأتباعه وعدد لا يحصى من قادة المحور “الخامنئي” يتحدثون عن عمالة من يسمونها الجماعات التكفيرية لأمريكا. مشهد سوريالي بامتياز، يفضح ما يجري في المنطقة، ويكشف حقيقة العدوان الإيراني الطائفي على غالبية الأمة. هل يعني هذا الكلام وقوفا إلى جانب الطرف الآخر في معركة الفلوجة، أعني تنظيم الدولة؟ سيجيب السفهاء بنعم على الفور، في سياق من التهم الجاهزة، لكن ذلك لن يمنعنا من قول الحقيقة، ولا من رفض الهجوم وإدانته؛ هو الذي يجري وسط عممليات تحريض طائفي بشع، لن تتوقف قبل أن تدمر المدينة وتستبيح أهلها، كما فعلت في ديالى وبلد وبيجي والرمادي وغيرها من المناطق. لم يكن هناك تنظيم داعش في سوريا حين وقف أولئك إلى جانب الطاغية وهو يقتل الناس في الشوارع لستة شهور، ولم يكن هناك تنظيم داعش في اليمن، حين دفعوا أدواتهم الحوثيين إلى سرق ثورة الشعب بالتعاون مع الطاغية الذي ثار الشعب ضده وخلعه، وكان يمكن أن يفعل أكثر لولا المواقف الخليجية. في العراق، كان تنظيم داعش في حالة أفول، وتحوّل إلى تنظيم سري مطارد ليست له أرض يسيطر عليها، فيما ذهب العرب السنة إلى الانتخابات بكل قوة، وحققت قائمتهم المرتبة الأولى، فجاء رد المالكي عليهم مزيدا من الطائفية والإقصاء بدعم إيران، فلم يكن أمامهم سوى العودة إلى السلاح من جديد، لا سيما حين رد على اعتصاماتهم السلمية بالسلاح أيضا. الحلف الإيراني يريد الناس بلا ذاكرة، وبالطبع لكي ينسوا خلفيات ما يجري، أما الأسوأ، فهو أنه يريدهم بلا عقل، لكي يصدقوا مقولة عمالة “التكفيريين” لأمريكا، بينما هو يلتقي معها ضدهم في وضح النهار؛ في سوريا والعراق، ونتحدى رموز ذلك الحلف أن يأتونا بتصريح ضد مليشيات سليماني، ومن ضمنها حزب الله، وما تفعله في سوريا والعراق. من يستمع إلى خطابات التحريض الطائفي ضد الفلوجة، ومن يرى سليماني يدير المعارك، ومستشارو حزب الله يشاركون باعتراف نصر الله.. من يرى ذلك كله، سيدرك أن هذه ليست معركة دولة ضد تمرد مسلح، بل هي معركة طائفية بامتياز لا صلة لها برفض الإقصاء والتكفير، فضلا عن الحرص على الإسلام والمسلمين كما تزعم. تنظيم داعش لا يمثل الغالبية التي تواجه عدوان إيران؛ لا في العراق ولا سوريا ولا اليمن، وإن كان له حضور ما ردا على جنون الطرف الآخر، لكن سليماني ونصر الله و”أبو عزرائيل”، و”المهندس”، والمالكي وأضرابهم يمثلون إيران ومشروعها، وهنا الفارق الكبير الذي يتعامى عنه كثيرون. ليست هناك معركة متكافئة في الفلوجة بحضور الطيران الأمريكي، وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين يهاجمونها، ومن الطبيعي أن تنتهي بدخول المدينة بعد أسابيع أو أقل أو أكثر، لكن ذلك لن يحل المعضلة، وقد أثبتت أحداث الشهور الأخيرة أن أزمة العراق أكبر بكثير من الحرب على تنظيم داعش. إنها أزمة بلد تسيطر عليه طبقة سياسية فاسدة تتمتع بحماية إيران، وهي التي اضطرت الشيعة أنفسهم إلى أن يصرخوا في الشوارع “إيران بره بره”. ينطبق ذلك على عموم هذا الحريق في المنطقة، والذي لن يهدأ قبل أن تعيد إيران النظر في مجمل سياستها، وتقبل بحجمها الطبيعي، بعيدا عن غرور القوة والغطرسة.
(الدستور 2016-05-29)