رسائل اعادها سُعاة البريد !
قد يتبادر الى الذهن عند قراءة هذا العنوان ذلك البوستر الذي رسمه فنان اوروبي ونال به جائزة دولية عن اللاجىء الفلسطيني وهو غلاف رسالة كُتب عليها يُعاد الى المرسل لأنها بلا عنوان ! لكن ما اعنيه بالرسالة التي اعادها ساعي البريد هو شيء آخر تماما، انه احيانا المقالة او الكتاب او القصيدة في مجتمعات قررت ان تقلع عن عادة القراءة، لأنها مضيعة للوقت والجهد والمال ايضا ولا طائل من ورائها، وفي مثل هذه المجتمعات يعيد سعاة البريد الرسائل كلها الى مرسليها مما يضطرهم الى ان يكتبوا لأنفسهم تماما كتلك الأرملة التي رفضت التصديق بأن زوجها قد رحل عن هذا العالم وواصلت كتابة الرسائل اليه لكنها اغلقت الأبواب في وجوه سعاة البريد جميعا ! ولم يسبق ان كان للجهل او بمعنى ادق التجهيل المُمنهج سدنة واخصائيين وخبراء في فقه الأمية على اختلاف فروعها وتجلياتها ! وحتى وقت قريب كان الجاهل يشعر بالخجل وقد يعتذر ويلوذ بالصمت لعلّ الاصغاء يضيف اليه شيئا مما لا يعرف، لكن الحداثة على ما يبدو شملت الجهل برعايتها وطورت ادواته ودفاعاته واخيرا وقاحته، فالشجاعة مفردة لا تليق بالجهل لأنها تقترن بأهل الرأي والمعرفة . لكن هل غاب المرسل اليه عن هذا العالم بحيث تُعاد الرسائل التي تكتب له الى اصحابها . بالتأكيد لا، وفي هذا التعميم اجحاف ونكران لمن يستحقون ان لا تنقطع الرسائل اليهم يوما واحدا، لكنهم يعانون من الاغتراب ذاته الذي يعاني منه من يكتبون الرسائل، فهم اقلية الاقليات كلها، ولا حول لهم ولا قوة، ويدركون بأن الحكاية عن الحرباء التي تنفخ في النار والضفدع التي تحاول اطفاءها رمزية بامتياز وانها مجرد إنصاف للنوايا بمعزل عن التأثير . لكن عزاء من يكتبون الرسائل التي تُعاد اليهم هو ان القلة التي يتوجهون اليها لا تُقاس بالامتار والاميال ولا توزن بالارطال والاطنان، انها الخميرة التي بدونها يبقى كل شيء فجا ولا معنى !!
(الدستور 2016-05-31)