"شيطنة" النسور!

تم نشره الثلاثاء 31st أيّار / مايو 2016 01:03 صباحاً
"شيطنة" النسور!
محمد أبو رمان

لم يتعوّد الأردنيون، خلال العقود الماضية، على حكومة تعمّر طويلاً؛ لمدة أربعة أعوام. وكان من الطبيعي أن تكون هناك شكوك كبيرة لدى الطبقة السياسية والرأي العام بأنّ الحكومة ستظل إلى آخر يوم في عمر البرلمان الحالي، على قاعدة "4×4"!

لكن ذلك حدث، وكان واضحاً إصرار الملك على أن يرسّخ تقليداً جديداً في الحياة السياسية ينهي ظاهرة التغيير المتكرر لرؤساء الحكومات والوزراء. وهو تغيير أرهق الموازنة العامة، وعطّل جدول أعمال الدولة، وأضعف مبدأ الاستمرارية المؤسساتية.

صحيح أنّ الحكومة لم تكن لتعمّر مع مجلس النواب وحدها، وحكاية الثقة كانت غطاءً لدعم كبير تلقاه الرئيس عبدالله النسور من وراء الكواليس، ما حال دون حجب الثقة عنه في أكثر من مرّة سنّ النواب رماحهم للنيل من الحكومة؛ لكن -في النهاية- لم تكن تحرّك رغبات أغلب النواب ضد الحكومة مواقف سياسية حقيقية، كما في برلمانات العالم، بل ضغائن شخصية ومصالح محدودة.

إذن، انتهت حقبة النسور كاملة، وتم تسجيل أرقام قياسية في عمر الحكومات، وفي تكريس قواعد جديدة للعبة. ولعلّ الفترة الطويلة خلقت لدى الأردنيين حنيناً إلى التغيير والتبديل، بخاصة مع الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة التي أحاطت بعمل الرجل، والقرارات الصعبة والقاسية في بداية عمر الحكومة، وأدت إلى احتجاجات شعبية واسعة في حينها.

ثمّة اختلاف كبير في تقييم عمل الرئيس النسور؛ فهناك من رجال الدولة والسياسيين من يرى أنّه اتخذ قرارات "شجاعة" وجريئة، وأنّه نموذج لـ"رجل الدولة" الذي يتحمل المسؤوليات. وهناك اتجاه عريض يشعر بخيبة أمل كبيرة تجاهه، ويرى أنّه لم يحقق إنجازات اقتصادية حقيقية، فضلاً عن أنّه قبل بطواعية وانسياب فريد بإعادة هيكلة دور الحكومة وتحجيمه لتصبح حكومة تكنوقراطية تنفيدية، بلا أي دسم سياسي!

الوقوف مع أو ضد النسور أمر مشروع وطبيعي. وهناك بالتأكيد لكل حكومة إيجابيات وسلبيات، ومؤيدون ومعارضون. لكن من الضروري ألا يخرج النقد للرجل بعدما غادر "الدوّار الرابع"، إعلامياً وسياسياً وفي الفضاء العام، عن حدود الأدب والتقاليد السياسية المحترمة!

من غير المقبول أن تخرج الانتقادات السياسية والإعلامية عن الأعراف المهنية والسياسية والأخلاق العامة، وتبدأ عملية "الشيطنة" و"الشخصنة" والإسفاف في التعامل مع رجل خارج السلطة، ربما في قناعته اليوم أنّه أفضل من خدم الدولة، وأنّه أدى المهمة المطلوبة بنجاح!

وإذا كان هناك شيء يذكر للحكومة السابقة، وتحديداً لوزير الإعلام د. محمد المومني، هو أنّهم تعاملوا برحابة صدر كبيرة وأريحية شديدة مع الانتقادات والمقالات والآراء المعارضة للحكومة.

لم تكن إلاّ حالات قليلة تلك التي تعرّض فيها منتقدو الرئيس من الكتّاب، وأتحدث عن "الغد" مثلاً، إلى محاولات للضغط غير المباشر، في الفترات الأخيرة للرئيس، وليس عبر وزير الإعلام. لكنّ أغلب الوقت كان هناك تقبل للانتقادات، على النقيض من كثير من الرؤساء والحكومات ممن كانوا ينظرون إلى أي سقف نقدي لممارساتهم وسياساتهم بوصفه مؤامرة من الآخرين، وبعضهم قد يصل إلى "إعلان الحرب" على الكاتب أو الصحيفة!

المومني تعامل مع الإعلام بذكاء وبهدوء، ولم يخلق أزمات مع الإعلاميين. وبدلاً من مواجهة غضب وتشكيك وهجوم عنيف وضغوط في اليوم الذي يصدر فيه مقال ناقد للحكومة، تجد على هاتفك النقال عبارات مثل "أقسى مقال ضد الحكومة.. بس ضرب الحبيب زبيب"، أو "مقال جميل.. بس شمّتت الناس فينا".

بجملة؛ من الضروري سياسياً وإعلامياً أن نصعد، قدر الإمكان، إلى مستوى محترم من الموضوعية والنسبية والالتزام بأخلاقيات النقد وقيمنا!

(الغد 2016-05-31)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات