مـأزق دولـة المذهـب وأتباعهـا

تم نشره الأحد 05 حزيران / يونيو 2016 01:04 صباحاً
مـأزق دولـة المذهـب وأتباعهـا
ياسر الزعاترة

في العالم حالتان لنموذج دولة المذهب. الأولى هي الإسرائيلية، وحيث يعتبر الكيان الصهيوني نفسه مسؤولا مسؤولية مباشرة عن اليهود في كل مكان؛ أكانوا علمانيين أم ملحدين أم متدينين. أما النموذج الثاني فتمثله إيران بطبعتها الأخيرة، وحيث لم يعد محافظوها يُخفون أنهم مسؤولون عن أتباع المذهب الشيعي في العالم أجمع، بصرف النظر عن نمط تدينهم. في الحالة الأولى ولاعتبارات كثيرة ذات صلة بالسياق التاريخي لعلاقة أوروبا باليهود، وأخرى تتصل بهيمنتهم على القرار السياسي في الولايات المتحدة، وتأثيرهم الكبير في عدد من الدول الكبرى والمؤثرة.. في هذه الحالة، تواطأ العالم على القبول بهذه التبعية لكل يهود العالم للكيان، وتعامل معها كأمر واقع لا يستنكره أحد، رغم أن هناك قلة بين اليهود أنفسهم تعترض عليه. ربما كان للعدد المحدود ليهود العالم تأثير أيضا، فهم لا يتجاوزون 13 مليونا، وغالبيتهم الساحقة يعتبرون الكيان دولتهم الأم، بصرف النظر عن الجنسية التي يحملونها، كما أن التناقض لا يبدو كبيرا مع واقعهم في الدول التي يعيشون فيها، باستثناء هيمنتهم التي تفوق نسبتهم بكثير، والتي تجد بعض التحفظ الهامس في دول شتى بخاصة في الولايات المتحدة، وبالطبع خوفا من سطوتهم. في الحالة الثانية يبدو الأمر مختلفا إلى حد كبير، فتعداد الشيعة خارج إيران يزيد على المئة مليون إنسان، وهذا رقم كبير ومؤثر. أما الذي لا يقل أهمية فيتمثل في أن كثيرا من الدول التي يعيشون فيها لا تتعامل مع إيران بروحية الصداقة، بل بروحية أخرى تراوح بين العداء المعلن وبين الخوف، فضلا عن حقيقة أن التبعية لإيران تتطلب في بعض الأحيان تناقضا مع الواقع القُطري، ومستحقاته السياسية. من الخليج إلى لبنان واليمن، وصولا إلى جاليات في دول إسلامية (نيجيريا مثالا)، يبرز هذا التناقض، بين الواقع القُطري، وبين متطلبات العلاقة مع إيران، بصرف النظر عن المستوى الذي يصل إليه ذلك التناقض، وقد يشمل ذلك دولا كالعراق، وحيث يبرز التناقض أيضا بين فئات شيعية لا تريد التبعية لإيران، وأخرى ترى فيها نوعا من أنواع الحماية. وفي حين سوّقت إيران نفسها طوال عقدين ويزيد بشعار المقاومة والممانعة الذي لامس مشاعر كثيرين، بمن فيهم الغالبية السنيّة، فقد فرضت المرحلة الجديدة سفور الخطاب المذهبي، ولم يعد بالإمكان إخفاءه بأي شعارات. هنا بدا التناقض سافرا، بين منظومة دولة المذهب، وبين مستحقات الدولة القُطرية ومستحقات العلاقة مع الجوار السنّي؛ وهو الغالبية، حتى لو كانت هناك غالبية شيعية نسبية في دولتين (العراق، وكذا والبحرين وهي دولة ملكية وراثية، وقد تُضاف أذربيحان في السياق الإسلامي). بات طبيعيا هنا أن يتناقض الولاء لإيران مع المتطلبات القُطرية، وكان ذلك واضحا في سوريا، وكذا العراق حيث دفعت إيران المالكي نحو سلوك طائفي فجّر الأوضاع، ثم اليمن، حين دُفعت أقلية شيعية إلى الصدام مع غالبية أهل البلد، الأمر الذي ينطبق على لبنان الذي يختطفه حزب الله بقوة السلاح، بينما يذهب بسلاحه إلى دول أخرى بأمر الولي الفقيه؛ في تناقض سافر مع غالبية الأمة. إنها معادلة معقدة، لا يمكن أن تستمر، وهي تعني مزيدا من الصدام، بين إيران والدول الأخرى من جهة، وبين الأقلية الشيعية وجيرانها في المنطقة وداخل الدول من جهة أخرى، وهي تعني حريقا لا يستفيد منه سوى أعداء الطرفين، فهل سيعود محافظو إيران إلى رشدهم، ويكفوا عن استتثمار الشيعة في مشروع توسع مجنون يستعيد ثارات تاريخية؟ سيحدث ذلك. متى؟ لا ندري.

(الدستور 2016-06-05)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات