القبضة السمراء!
لو كان محمد على كلاي مجرد بطل في الملاكمة او المصارعة لما كان لرحيله هذا الصدى الكونيّ، لكن الرجل ذا القبضة السمراء والقلب الأبيض شغل الناس وملأ الدنيا حين قرر ان يغيّر مسار حياته او يولد مرة اخرى كما قال في احدى المناسبات، واظنّها كانت زيارته لمصر ولقاؤه بجمال عبد الناصر، وحين اعلن اسلامه لم يكن هناك من المتأسلمين والمتطرفين من يسيل الدم على الشاشات من سيوفهم والاسلام الذي اعتنقه بمحض ارادته لا يحق لهؤلاء ان يدعوه ان يزعموا بأن كلاي اصبح احدهم . لقد غيّر اسمه ليس فقط لأنه اسلم بل ليحرر ذاته من لقب يوحي بالعبودية وباحتياره لاسم مركب هو محمد علي عبّر عن روح جامعة ومتجاوزة للطائفية، لهذا صدقه الناس، وحين سمعت بالأمس الرئيس الكوبي راؤول كاسترو يتحدث عنه ظننت للوهلة الاولى انه يرثي زعيما لاتينيا من طراز شافيز، لكنه سرعان ما اوضح المكانة التي ينعم بها هذا الرجل عند كاسترو، رغم ان كاسترو ماركسي وذو تربية جزويتية . مثال محمد علي كلاي يتجاوز شخصه ليصبح ظاهرة انسانية، فالرياضي مطالب ايضا بموقف سياسي واخلاقي تماما كالعالم والأديب وفي عصر غاشم كعصرنا غير مسموح لأي صاحب مهنة ان يكون محايدا ازاء كل هذا الدم وهذه الابادات والانتهاكات لمصائر البشر . والقبضة السمراء القاضية اصابت صاحبها بالبطالة عندما بدأت ترتعش بعد مرض حرم البطل من مواصلة الانتصار على خصومه . وحين يستمد محمد علي شحنة الارادة من مارتن لوثر كينج الذي مارس حقه في الحلم فإن دلالة ذلك ان هذه السلالة الخضراء والتي منها مانديلا ونيريري ولومومبا وسيزير وسنجور وانجيلا وغيرهم، انتصرت على الرجل الابيض لأنها لم تتلمذ على تعاليمه وكانت الضحية النبيلة والبليغة التي لقّنته درسا في التسامح والتفوق الادمي على الغرائز وثقافة الاحتكار والاقصاء والتوحش ! وحين كتب جان بول سارتر عن السود وتساءل عما سيفعلونه بلونهم، لم يخطر بباله ان هناك من يقشر جلده او يخلعه كالأفعى مثلما فعل جاكسون مقابل من حوّل جلده الى غابة خضراء!!
(الدستور 2016-06-07)