هل اقتربت..«معركة حلب الكبرى»؟
في وقت يجري التركيز فيه على سير معركة «منبج» بما هي الرهان الاميركي لإحراز نصر في تلك المدينة التي تحوّلت فيه الخطة الاميركية الرامية – في البداية – الى تحرير مدينة الرقة، ثم ما لبثت ان منحت الاولوية لمنبج, مُعلِلة ذلك بأن «ظروف» تحرير الرقة لم تتضح بعد، وفي الوقت الذي يحرز فيه الجيش السوري تقدماً ملحوظاً في سعيه للوصول الى بلدة الطبقة وخصوصاً مطارها العسكري الاستراتيجي بل الاكبر في سوريا، وسط ارتباك تركي واضح وتبريرات يريد السلطان العثماني الجديد إخفاء سقوط رهاناته وعدم التفات واشنطن الى خطوطه الحمراء، بل وتأكيدها ان قوات سوريا الديمقراطية ليست ارهابية (تقصد بذلك نواتها الصلبة وذات الاغلبية فيها, وهي قوات حماية الشعب الكردية YPG).. فضلاً عن «الاعلانات» المُفاجئة التي بدأت تُطلَق من لندن وخصوصاً باريس، حيث اعلنت العاصمتان (كل على حدة بالطبع ولكن تباعاً) ان قوات خاصة لهما، تعمل على الاراضي السورية هدفها ــ كما تقولان ــ تقديم «استشارات» لقوات سوريا الديمقراطية (..) بل ثمة مَن أكد ان فرنسا شرعت في اقامة قاعدة عسكرية لها في فيدرالية (روج آفا) المُعلنة من طرف واحد... منطقة حكم ذاتي، ما يؤشر الى تسارع التدخل الغربي في الأزمة السورية, وما يستبطنه ذلك من احتمالات لحدوث تغيير دراماتيكي في موازين القوى او قرب الكشف عن مخططات تريد عواصم الغرب الاستعماري الثلاث وضعها موضع التنفيذ على قاعدة «الأمر الواقع» والذي لا يعدو كونه تقسيماً لسوريا، إذا ما برزت «مناطق» جغرافية واسعة في الشمال والشرق السوريين, يُمكِن للغرب ان يتمترس فيها او يدعم نزعات «انفصالية» على ارضية عِرقية او طائفية او مذهبية او اثنية يتستر خلفها، كي لا يبدو وكأنه يدير ظهره لقرارات مجلس الأمن الدولي ازاء الأزمة السورية, والتي أكدت «كلها» على وحدة الاراضي السورية وعلمانية دولتها.
من هنا... فإن التطورات المتلاحقة، تعكس مدى الحاجة الى اعادة تصويب الاوضاع»الميدانية», بعد ان استغلّتها الاطراف الراعية والداعمة مالياً وعسكرياً ولوجستياً للجماعات الارهابية المسلحة...
«الهدنة» التي أُعلنت في 27 شباط الماضي، كي تُعيد ترتيب صفوفها والتزود بمزيد من الاسلحة والعتاد والمقاتلين,الذين تولّت أنقرة إرسالهم عبر حدودها، وهو الذي تجلّى على شكل اكثر وضوحاً في ريف حلب الجنوبي وسيطرة الجماعات المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة واحرار الشام والزنكي على خان طومان، فضلاً عن قصفهم الوحشي واليومي لاحياء حلب الغربية ومحاولاتهم اقتحامها,رغم أنها ا لم تنجح إلاّ إنها لم تتوقف ايضاً، ما أثار التساؤلات حول حكمة وصوابية قرار «الهدنة» الذي اتخذته موسكو اولاً ولاحقاً دمشق, في ظروف كانت ملائمة للتحالف السوري الروسي الايراني، وجاء قرار وقف الاعمال «العدائية»، مثابة «هدية» اسهمت واشنطن بِخُبث وسوء نيّة في الدفع اليها، كي تُساعد المسلّحين على التقاط انفاسهم والحؤول دون نجاح الجيش السوري في تطويق كامل احياء حلب الشرقية, بعد إحكام السيطرة على ممر الكاستيلو الذي كان متنفساً وطريقاً وحيداً لامدادات المسلحين.. فضلاً عن عدم التزام الولايات المتحدة حتى الان، بوعودها الضغط على الجماعات الموصوفة «معتدلة» في قاموسها الانتقائي، لفك ارتباطها مع جبهة النصرة واحرار الشام، بل دعمت (واشنطن وحلفاؤها في الاقليم) في شكل فاضح ما يقوم به «جيش الفتح» المُكوَّن من تحالف النصرة واحرار الشام مع التشكيلات «المعتدلة»، دون ان تأبه او تقيم وزناً لمطالبات موسكو او تهديداتها بالعودة الى قصف تلك التشكيلات، بعد ان لم يعد أهمية تذكر لما يسمى الهدنة, التي تخرقها الجماعات الارهابية باستمرار.
هنا يكمن أهمية للقاء الثلاثي الذي تم في العاصمة الايرانية طهران وضم الى جانب وزير الدفاع الايراني, وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، والوزير السوري فهد جاسم الفريج. حيث يدرك الجميع ان شويغو والفريج لم يذهبا الى طهران للنزهة او تزجية للوقت، بل بدا الاجتماع في حد ذاته مفاجأة وخصوصاً في توقيته, فضلاً عما انطوت عليه تصريحات الوزير المُضيف (الايراني) التي كانت مُحمّلة بالتهديد والوعيد ومُركِزة على تصميم التحالف على محاربة الارهاب، وإذا ما اضفنا اليها التصريحات الغاضبة بل والمحمولة على مرارة من غدر «الشريك الاميركي» التي ألمح اليها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض اعلانه انتهاء «المهلة» التي منحتها موسكو لواشنطن كي «تُقنع» الفصائل المسلحة التي تعتبرها الاخيرة معتدلة بالابتعاد عن معسكرات ومواقع النصرة واحرار الشام، فإننا يمكن ان نكون أمام تطور ميداني استراتيجي, خصوصاً ان لافروف قال بما لا يدع مجالاً للشك, بأن روسيا لن تسمح بسقوط حلب, وستُقدِّم كل ما في استطاعتها للحؤول دون ذلك، وهذا كلام يرقى الى مستوى الانذار، والذي نحسب ان مداولات اجتماع طهران الثلاثي كانت تتمحور حوله, ما ينذر بأن المعركة الحاسمة والكبرى في حلب باتت مسألة وقت.
والسؤال ليس في ما إذا كانت ستندلع أم لا؟.. بل متى؟
(الرأي 2016-06-12)