مشاورات «السلام» اليمنية: «بهجة»المُراوحة!
شهران انصرما على بدء «مشاورات» السلام التي تستضيفها دولة الكويت برعاية المبعوث الأممي اسماعيل وليد الشيخ احمد, ولم يتم احراز أي تقدم يُذكر, حتى في ظل التصريحات المُتفائلة (حتى لا نقول غير الواقعية وغير المُستندة الى حقائق ملموسة, التي كان يُطلقها ولد الشيخ في مناسبة وغير مناسبة).. ما يشي بأن طرفي الأزمة قد استحكما في «خندقيهما» ولم تعد ثمة امكانية للجسر بين الهوة السحيقة التي تفصل بين مواقفيهما وبخاصة بعد اعلان حكومة هادي تمسكها بِـ»ثوابتها» فيما وفد جماعة انصار الله(الحوثيّون) وحليفه حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه الرئيس السابق علي عبدالله صالح, يُصرِّان على رفض اي حل «لا يتضمن وقفاً شاملاً ودائماً لعمليات التحالف, وفك الحصار الشامل والتوافق على المؤسسة الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية وتشكيل لجنة عسكرية وأمنيّة».
موقفان متناقضان يُعيدان الأمور الى المربع الأول الذي اندلعت فيه الأزمة، ويعكسان – ضمن أمور أخرى – الفشل الذريع الذي حصدته اللقاءات السابقة التي تمت في جنيف وضواحي فيينا وغيرها من العواصم الاقليمية التي حاولت الجسر بين الموقفين وايجاد نقطة التقاء يمكن البناء عليها, والتي بدت في لحظة ما وبخاصة في «المحطة الكويتية»، وكأنها اقتربت من صيغة مقبولة على الطرفين، وان اتّسمت «لغتها» بالعمومية والتفسيرات المُتناقضة, لكنها، واذا ما اتخذت اجراءات جادة لبناء الثقة، كإطلاق المُعتقَلين في شكل متبادل وعدم استخدام لغة الاقصاء والتخلي عن وصف وفد انصار الله والمؤتمر بأنهم «انقلابيون» وغيرها من الحملات والأوصاف القاسية المتبادلة، فإنها قد تسمح بتخفيف الاحتقان والالتقاء على الجوامع، وهو أمر عزّزه ايضاً الاتفاق الذي تبلور بين السعودية وجماعة انصار الله في وقف اطلاق النار على الحدود المشتركة بين صعدة والجنوب السعودي, ثم الزيارة اللافتة التي قام بها رئيس وفد جماعة انصار الله محمد عبدالسلام الى السعودية مؤخراً، ما بعث التفاؤل بامكانية كسر الجمود في مشاورات الكويت, والتي كانت ستنتهي الى الفشل في وقت مبكر من بدئها, لولا الجهود التي بذلها أمير الكويت في هذا الشأن، حيث نجح في انتزاع موافقة من الطرفين على البقاء ومواصلة المشاورات, مُتعهداً بذل المزيد من الجهود للتقريب بينهما.
الطرفان عندما يعودان الى تكرار شروطهما «القديمة» التي طرحاها منذ فترة طويلة, انما يحاولان تحسين شروط «التفاوض» أو أن احدهما قد استشعر «قوة» وميلاً في موازين القوى لصالحه, فأراد فرض شروطه او ربما وهذا احتمال راجح, ان طرفاً قد شعر بأن اي حل سيكون على حسابه فلجأ الى التشدد كي «يستنقذ» نفسه ويشتري بعض الوقت, وهو ما راج في الاخبار عن توصل لتفاهم «ما» بين الوفدين حول مدة رئاسية مؤقتة وبلا صلاحيات للرئيس هادي تستمر لمدة 45 يوماً, ما اثار مخاوف عديدة لدى مؤيدي هادي بأن الامور قد تتجه الى الاسوأ, وبأنهم سيدفعون ثمن اي تسوية, وبخاصة في ما رشح عن ضغوط مورست على رئيس حكومة هادي احمد بن دغر للعودة الى عدن, حيث جوبه بمعارضة شرسة من قبل ممثلي اطراف الحراك الجنوبي عندما طلب منهم انزال علم جمهورية اليمن الديمقراطية السابق ورفع علم «الوحدة», فاذا بهم يتحدّونه طالبين منه ان يذهب الى «صنعاء» لرفع ذلك العلم.. هناك, واذا ما عطفنا على ذلك كله مغادرة رئيس وفد حكومة هادي عبدالملك الخلافي الى الرياض للتشاور مع هادي وفريقه, فإننا أمام مشهد جديد قد يتطور لاحقاً في ظل ما بات معروفاً عن لقاء اميركي مع وفد جماعة انصار الله ودلالات هذا الاجتماع الذي قد يشكل بداية «اعتراف» اميركي واقليمي بدور هذه الجماعة, وبأنه لا يمكن تجاوزهم وان اي حل يجب وبالضرورة ان يشملهم كعنصر رئيس وليس مجرد «مجموعة انقلابية» مطلوب منها «فقط» الالتزام ببنود القرار 2216 وتسليم السلاح والانسحاب من المقرات والمؤسسات الحكومية وحل الميليشيات, وغيرها من المطالب التي لا تبدو واقعية بعد مرور كل هذا الوقت على الصراع ووصول الجميع الى طريق مسدود, عنوانه ان لا حل عسكرياً للازمة, وأن اقصاء أي طرف بات مستحيلاً, اذا ما أُريد للازمة ان تنتهي وان يتم وقف حمام الدم والخراب في اليمن.
مجرد استمرار مشاورات الكويت في شهر رمضان, يعني ان ثمة امكانية لحلحة الامور ويبدو أن «التنازلات» المطلوبة من الطرفين ستكون «مؤلمة», لكنها بالتأكيد ستتيح لليمنيين ان يستعيدوا بعضاً من حياتهم التي باتت صعبة وقاسية وغير محتملة, بعد كل ما حل بهم من دمار وتجويع ومآسٍ.
ولعل ما حدث و يحدث في عدن وحضرموت, التي قيل انه تم «تحريرها» يجب ان يكون «فرصة لتجاوز» كل الشروط التعجيزية التي يريد وفد هادي فرضها على طرف لم يُهزَم.. حتى الان.
(الرأي 2016-06-14)