سلام: يَرأَسُ «أسوأ» حكومة.. و«يُواصِل» !
يبدو ان لبنان يستعد لدخول مرحلة جديدة من التوتر والاحتقان, وسط غياب رئيس للجمهورية منذ سنتين وشلل تشريعي ناجم عن تعطيل جلسات مجلس النواب، وحكومة تتجاذبها الخلافات ويُعطلها الكيد السياسي, يصفها رئيسها تمام سلام بانها «أسوأ حكومة»، مُدلِّلاً على ذلك بوجود الفساد المُتسرِّب الى بعض الملفات والصراع على مشاريع هنا وهناك انطلاقا من اعتبارات ضيقة. على ما قال حرفيا في تصريحات صحفية ثم تأتي استقالة وزيرين من حزب الكتائب لتُضيف متاعب جديدة لحكومة «محكومة» بالتوافق, والذي يصعب توافره بعد ان وصلت الخلافات بين مُكوِناتها الى درجة يصعب التجسير عليها، و كادت حادثة تفجير عبوة ناسفة امام بنك لبنان والمهجر ان تأخذ البلاد الى اجواء اكثر سخونة, وبخاصة ان هناك من ربطها بالتوتر الحاصل بين حزب الله وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة (احد المرشحين الدائمين لرئاسة الجمهورية وإن في الخيارات الاخيرة وليست المُتقدمة) الامر الذي رفع من منسوب التصريحات المُنتقدة لحزب الله, فيما قابلتها تصريحات تدعو الى عدم استباق نتائج التحقيقات التي تُجريها الاجهزة الامنية, حيث استبعد كثيرون ان يلجأ حزب الله – الذي لاذ بالصمت – بمثل هذه الاساليب التي بدت للكثيرين مجرد رسالة توريط للحزب، اراد مُنفِذوها ان يضعوا الحزب في دائرة الاتهام, وهو امر استدركه كثيرون في النهاية, لان المسألة بدت وكأنها بالفعل دعوة الى اشعال حرب اهلية, لا مصلحة للجميع مذاهب وطوائف وامراء حرب ورجال دين ونخبة سياسية متهمة بالفساد... بنشوبها, في وقت تتعرض فيه المنطقة الى حرائق وكوارث وتسود فيها حروب بالوكالة واخرى ذات طابع يتصل بالارهاب ممارسة وفكرا ودورا مشبوها ارادته قوى اقليمية وخصوصا دولية كي يأخذ المنطقة دولها والشعوب الى دائرة الفوضى والاقتتال والتقسيم الذي لا يُبقي على نسيجها القومي ويفتت ما تبقى من عُرى ووشائج ذات صلة بالعروبة... حضارة وهوية جامعة.
لبنان الذي وُصِفَ ذات يوم بأنه «مختبر المنطقة» والمؤشر على طبيعة الاحداث او السيناريوهات الموضوعة لافتعال ازمة او انهاء اخرى, او اشعال حرب اهلية او التمهيد لمواجهة اقليمية او حتى الايحاء للخصم في الحرب الباردة - وقتذاك - بأنه قد يخسر هذا النفوذ او يتراجع بعد ان اضيفت دولة ما او نظام جديد الى قائمة اتباعه، لم يعد - لبنان - كذلك، ويبدو انه فقد الأولوية لدى عواصم القرار الدولي, ولم تعد له «أمّ حنون» كما تعود اللبنانيون ان ينظروا الى «باريس» ذات يوم، قبل ان تستحوذ واشنطن على المشهد وتدفع بالآخرين الى الخلف، رغم ان هناك انطباعاً (وليس يقيناً بالتأكيد) بأن تلك العواصم وبخاصة واشنطن, ما تزال ترى في استقرار لبنان الهش مصلحة لها ولحلفائها, اقله حتى ينجلي الموقف في سوريا ويُعرَف المعسكر الرابح من ذلك المهزوم، الا اذا ذهب الجميع الى تسوية ما - يستطيع كل طرف الزعم بأنه ربح على صيغة «رابح – رابح» دون المجازفة بالمُضُي قُدُماً في الحرب العبثية الدائرة الآن والتي كشفت - ضمن امور اخرى - استحالة تحقيق اهداف المعسكر الذي يريد فرض رؤيته ومشروعه على سوريا والمنطقة بالتالي, والقائم على دحر الآخرين وتصفية نفوذهم واستئصال وجودهم، ظناً منه ان اختياره للحرب المذهبية سيفتح الطريق على قيام نظام اقليمي جديد, تكون له الكلمة العليا...فيه.
لبنان اذاً ,الذي يشكو رئيس حكومته المُشكّلة قبل نيف وعامين ويصف ما يحدث داخل مجلس وزرائه الذي يزداد سوءاً, في ظل ما يحصل من نكايات وتجاذبات بين مكوناته, ويرى في ذلك امراً غير مقبول بكل المعايير والمقاييس، رغم انه يصف استمراره في ترؤس هذه الحكومة بأنه بات مثابة «عقوبة» له، لا يمكن لأحد من الاحزاب المشاركة في الحكومة ام التي هي خارجها، سواء التي لم تشارك فيها مثل القوات اللبنانية (جعجع) ام التي استقالت يوم امس (الكتائب..رغم ان هذا الحزب لا وزن مُهِماً له ,بل هنك من رأى في خطوته هذه ,مجرد مُزايدة وبحثاً عن دور مفقود) ان يغامر بفرط هذه الحكومة «الأسوأ» في نظر رئيسها, لأن ذلك - إنْ تم - سيكون «فرطاً» للبلد ووضعه في دائرة الانهيار, حيث يصعب تشكيل حكومة جديدة لتضاف السلطة التشريعية الى قائمة التعطيل الحاصل في السلطة التشريعية والفراغ الحاصل في رئاسة الجمهورية, وسط ارتفاع المديونية وغلاء الاسعار والفساد الذي تتهم فيه شخصيات معروفة, فضلاً عما افرزته الانتخابات البلدية من نتائج، كشفت عن عزوف جماهيري وغضب شعبي تمثل في غضب على احزاب «كبيرة» ظنت انها ضمت تأييد الجمهور اللبناني, ما دامت ترفع الشعار المذهبي وتتغذى عليه.
مستقبل حكومة سلام «مضمون» اقله في الاستمرارية, اما الفاعلية والإنجاز, فلا احد يراهن علىيهما, والكل يَشخَص بعيونه نحو ما يحدث في سوريا, لأن ما ستسفرعنه الحرب هناك, سينعكس مباشرة على الاوضاع في لبنان، سلباً او ايجابا.
(الرأي 2016-06-16)