حكاية تستحق ان تُروى !!
لي صديق في بلد عربي شقيق اجتمعت فيه ثلاث صفات، رجل اعمال وطبيب ومثقف، فقد شقيقه الأصغر والذي كان اقرب اصدقائه اليه، واعتكف بعض الوقت في منزله، وحين التقيته لأعزيه مُتأخرا همس بأذني طالبا مني شيئا لم اسمعه من قبل، وهو انه يريد ان أعينه على نقل شقيقه من منطقة الحزن الى منطقة الشجن، وللحظة أدركت كم هي عبقرية هذه اللغة التي ورثناها ونستخف بها . والتي جعلت لكل مفردة تضاريس، فهي تنفرد بين اللغات بالتفريق بين الوقت والزمن والحب والعشق والحزن والشجن، وحين حاولت ان افهم من صديقي ما الذي يعنيه بالشجن قال انني اريد من شقيقي الذي غاب ان يعيش معي وليس ان اموت معه، وشعرت ان كلامه اقرب الى احجية او لغز عصيّ على التفكيك، لكنني سرعان ما فهمت قصده، ورويت له حكاية مماثلة عن فقداني لشقيقي الاصغر الذي كان توأمي وان تأخرت ولادته اعواما، ومن غير ان ادرك على نحو واضح، تذكرت ان ما فعلته هو نقله من صحراء الحزن الى واحة بنفسجية من الشجن، بحيث أبقى وفيا له ولاسباب غيابه وان لا ابيع قميصه حتى بما لم يتسع له هذا الكوكب من الثروات . قلت لصديقي انني بعد ثلاثين عاما من رحيل اخي وبمعنى ادق استشهاده استطيع ان احدق في عينيه عندما اتأمل صورته دون ان ينتابني شعور بالخجل او العار، لأنه بالنسبة لي اصيب بوعكة عابرة فَقَد فيها جسده فقط، لكن ما تبقى منه هو في حالة قيامة دائمة . اقتنع صديقي بما قلت، لكنه اضاف الى كل ما سمعته منه عبارة جعلتني اشعر بالقشعريرة، وهو ان شقيقه الاصغر كان ذا ميول انسانية بحيث يطلب من شقيقه الاكبر وهو ثري ان يخصص نسبة من عوائد امواله لاعانة الفقراء، ولم تمض سوى ثلاثة اعوام فقط، حتى قرر صديقي المثقف والطبيب ورجل الاعمال ان يتنازل طواعية عن ثلاثة ارباع ثروته من اجل الاخرين . أما اغرب ما سمعته منه فهو انه كان يظن ان تأمين مستقبل ابنائه سيكون بما حصلوا عليه من تعليم وما سوف يرثونه من مال، ثم ادرك ان لا مستقبل لهم في وطن فقير وخائف ومهدد بالطوفان !!
(الدستور 2016-06-20)