هذه روايتنا؛ مم نخاف؟!
وجدتُ صعوبةً كبيرة في العثور على نسخة من كتاب د. سمير مطاوع "الأردن في حرب 1967"، حتى ساعدني الزميل والصديق ألفرد عصفور في تأمين نسخة من المؤلّف نفسه.
مثل هذا الكتاب لا يجوز أن يصبح طيّ النسيان أو التجاهل، وألا تتوافر منه نسخ في المكتبات الأردنية! بل على النقيض من ذلك؛ المطلوب أن يكون ضمن سلسلة إصدارات وزارة الثقافة لكتاب الأسرة، ومن الكتب المقررة على طلبة الثانوية العامة أو في المساقات الجامعية بالحدّ الأدنى.
أهميّة الكتاب تكمن في أنّه تجاوز المنطق السردي لما حدث خلال معركة 1967، إلى تقديم ذلك من خلال زاوية النظر الأردنية، مدعّماً بوثائق حصل عليها المؤلف من أرشيف الجيش العربي (كما ذكر)، وبمقابلات مع قيادات عسكرية وسياسية أردنية للحرب، وما قبلها وما بعدها، وبمراجعة للوثائق الغربية والإسرائيلية عن الحرب.
في أغلب الأحداث والمحطّات المفصلية، كانت الرواية الأردنية شبه غائبة أو ضعيفة أو خجولة للأسف الشديد، لأنّها كثيراً ما كانت تعاني من نقص الوثائق ومحدودية المصادر المطلوبة في عملية التوثيق، ما انعكس على "الصورة النمطية" عن الدور السياسي والتاريخي الأردني، ليس فقط في الخارج، بل في الداخل أيضاً؛ لدى قطاع واسع من الأردنيين الذين أصبحوا ينظرون إلينا عبر الدعاية السياسية والإعلامية المضادة والرواية التاريخية الأخرى.
حرب الـ67 مثلاً، التي خسر فيها الأردن نصف مملكته، وثلثي معداته العسكرية وطائراته العسكرية كافّة، هي نموذج على إهمالنا في كشف الحقائق المريرة، عما حدث قبلها وخلالها وما حصل بعدها. وبدلاً من إنصاف الملك الراحل الحسين فيما فعله خلال تلك المرحلة، وتقدير دور الجيش الأردني، ورد الاعتبار للمقاربات الأردنية خلال تلك الفترة، نجد أنّ التهمة المعلبة جاهزة وحاضرة.
الغريب أنّ خصوم الأردن في تلك المرحلة، وأقصد هنا للأسف أحد أهم ماكينات الآلة الإعلامية العربية المعادية للأردن، الراحل محمد حسنين هيكل، صديق ومستشار الرئيس جمال عبدالناصر المقرّب، اعترف نفسه في كتابه عن الحرب (الانفجار) بكثير من الحقائق التي تنصف الأردن ودور الملك الحسين خلال تلك الحرب.
واعترف هيكل، كذلك، أنّ الراحل الحسين -لما له من مصادر استخباراتية قوية- حذّر القيادة المصرية مراراً وتكراراً من "أفخاخ" نصبت لها، وبلّغها بموعد الهجوم على القوات المصرية، ووضع قواته تحت القيادة العربية الموحّدة، ورفض الرسائل الإسرائيلية (عبر الوسطاء) بتجنب دخول الحرب، مع ضمانة عدم مهاجمة إسرائيل للقوات الأردنية.
وهيكل نفسه أقرّ بأنّ القيادة العسكرية المصرية حينها خدعت عبدالناصر نفسه، فضلاً عن العرب جميعاً، بإنكار تدمير سلاح الجو المصري بالكامل، في الساعات الأولى من المعركة الإسرائيلية، وأنّ المعركة في الحقيقة لم تكن 6 أيام، بل هي ثلاث ساعات، والباقي تفاصيل مريرة للهزيمة.
من الضروري العودة إلى كتاب سمير مطاوع لننصت إلى المسؤولين الأردنيين ونقرأ وثائقنا وننشر روايتنا عن هذه الحرب، وعن الأحداث المفصلية الأخرى؛ حرب الـ48، والكرامة، وأحداث أيلول (سبتمبر) في الـ70، وحرب الـ73، فمم نخاف؟! ولماذا لا نقول كلمتنا ونقوم بتصفية حساب مع التاريخ؟! فإذا لم نفهم التاريخ، ولم يعرف شبابنا الحقائق عما حدث سابقاً، فلن نفهم الحاضر، ولن يكون هناك وعي وطني تاريخي بما لنا وما علينا.
ليس المطلوب بروباغاندا تاريخية، ولا مرافعة دفاع عن النفس وإدانة الآخرين (كما فعل أشقاؤنا العرب)، بل المطلوب رواية تاريخية موضوعية تشرح وجهة نظرنا للأحداث؛ أين أصبنا وأين أخطأنا، لكنّها في النهاية بالتأكيد ستنصف الأردن الذي ظُلم كثيراً.
(الغد 2016-06-24)