بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

تم نشره السبت 25 حزيران / يونيو 2016 12:28 صباحاً
بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام
عريب الرنتاوي

لن تبقى أوروبا بعد قرار البريطانيين الخروج من “الاتحاد” كما كانت عليه قبله ... ولن تبقى بريطانيا التي كانت عظمى ذات يوم، على ما هي عليه بعد الآن... إنه نوع نادر من الألعاب، لا رابح فيها أبداً، ويمكن أن نطلق عليها اسم “لعبة خاسر – خاسر”. يصعب التكهن من الآن، بتداعيات القرار وتبعاته ... هناك فيض من التكهنات التي لا مجال لاستعراضها ... من الارتدادات الاقتصادية والمالية، التي ستصيب أوروبا عموماً، وبريطانيا على نحو خاص، بأوخم العواقب ... إلى تآكل المكانة والدور السياسيين والمعنويين لكل من الطرفين ... وصولاً إلى سقوط “قوة النموذج” التي طالما جرى استحضارها للدلالة على قدرة شعوب لطالما أزهقت حروبها العابرة للحدود وصراعاتها الأهلية حيوات الملايين من أبنائها وبناتها، للتطلع للمستقبل والعمل المشترك لبنائه لصالح الجميع، والقبول بتسليم بعض عناصر “السيادة الوطنية” طوعاً للإطار الاتحادي الجامع الأكبر. وستفتح السابقة البريطانية الباب رحباً أمام دولٍ أوروبية أخرى، لطالما انتظرت من يعلق الجرس قبلها، للقفز من سفينة الاتحاد ... لكن من السابق لأوانه الجزم بذلك، فالأمر سيعتمد إلى حدٍ كبير، على الطريقة التي سيخرج بها الاقتصاد البريطاني من “أزمة الانفصال” عن أوروبا ... لكن الأمر المؤكد، أن دولاً أعضاء عديدة، ستسعى في إعادة صياغة شكل ومحتوى علاقاتها بالاتحاد، في محاولة منها للاستفادة من عوائده المجزية، وحجب ما يمكن أن يترتب عليها من مسؤوليات والتزامات، خصوصاً وأن القارة العجوز، تشهد منذ ربع قرن تقريباً، حراكاً بشرياً هائلاً، تمثل في انتقال الملايين من العمال والباحثين عن عمل، من أوروبا الشرقية والوسطى إلى غرب أوروبا، وهو أمر يفوق بسطوته وتأثيراته، تداعيات أزمة اللجوء السوري إلى القارة. بريطانيا ذاتها، التي اشتهرت زمن الحقبة الكولونيالية بسعيها الدائب لتقسيم الدول والمجتمعات المُستَعمَرة، وزرع بذور الفتن والحروب اللاحقة فيما بينها، من الصين والهند وجوارهما، إلى سايكس بيكو وما تبعها من “وعد مشؤوم” واتفاقات تقاسم نفوذ لاحقة، إلى الفسيفساء الأفريقية التي عاث فيها “المقص البريطاني” تقطيعاً وتوصيلاً ... بريطانيا هذه، تشق اليوم القارة الأوروبية، وتقود مسيرة تفكيك الاتحاد بعد مرور قرابة الستة عقود على تأسيسه. لكن للقدر سخرياته، فأول ردود الأفعال على نتائج “الاستفتاء البريطاني” جاء من سكوتلاند، حيث يجري التفكير جدياً في إجراء استفتاء ثانٍ عن بريطانيا، بعد إخفاق الاستفتاء الأول عام 2014، وثمة اعتقاد بأن الاستفتاء القادم، قد يأتي بنتائج مغايرة، سيما بعد خروج بريطانيا من عضوية “النادي الأوروبي”، وهو أمر قد يفتح الباب لتفكيك بريطانيا بدورها، وليس لتفكيك الاتحاد الأوروبي وحده. بعد مائة عام على سايكس – بيكو الذي، سيتعين على بريطانيا العظمى، وليس على دول الشرق الأوسط وحدها، أن تقاتل في سبيل الحفاظ على وحدتها، وإبقاء كياناتها الرئيسة، قطعة واحدة ... على بريطانيا أن تكافح من أجل الاحتفاظ بآخر مظاهر العظمة المرتبطة باسمها وتاريخها، بعد أن غابت شمس الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس. ما يهمنا في هذا الصدد، هو سؤال كيف ستؤثر الخطوة البريطانية على مواقف لندن وبروكسيل من مشاكل منطقتنا، وهل من الملائم والممكن، الاستمرار بالرهان على دور أوربي فاعل في حل قضايا المنطقة، وبشكل خاص، قضية الصراع العربي – الإسرائيلي. خلاصة القول، إن أوروبا التي ارتضت وهي موحدة، دوراً تابعاً وتكميلياً للدور الأمريكي في منطقتنا، لن يكون بمقدورها أن تلعب دوراً أكثر فاعلية، بقد أن فقدت أحد مقعديها الدائمين في مجلس الأمن ... والمؤكد أنه سيكون بمقدور واشنطن، أن تمارس دوراً مهيمناً على الدول الثماني والعشرين مجتمعة ومنفردة ... أما الأقطاب الدولية الأخرى، الصاعدة منها على نحو خاص (الصين، روسيا وغيرهما)، فسيكون بمقدورها أن تتمتع بهامش مناورة أوسع مع كل من أوروبا وبريطانيا على حد سواء.

(الدستور 2016-06-25)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات