ما يعنينا من يوم أوروبا الجديد بعد استفتاء بريطانيا
سال وسيسيل حبر كثير في الحديث عن استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن ما يحظى بشبه الإجماع أنه يوم تاريخي لن تتوقف تداعياته على بريطانيا، بل ولا الاتحاد الأوروبي، لكنها قد تشمل المشهد الدولي برمته بهذا القدر أو ذاك. من زاويتنا كجزء من منظومة المستضعفين في الأرض، يحق لن أن نفرح، لأن تفاهمات الكبار في العالم لم تكن يوما إلا على حسابنا، وهذا العالم الظالم كان دائما ضد وحدتنا، ومع شرذمتنا بكل وسيلة ممكنة، ويحق لنا أن نفرح حين يراه يذوق من نفس الكأس. هل يعني ذلك أن من صوتوا لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لم يدركوا ذلك؟ الجواب يتعلق بما نسميه منذ سنوات بزمن انفجار الهويات الفرعية، وهو زمن يغيب فيه العقل والمنطق، ويحتكم الناس إلى العواطف والغرائز، ويميلون إلى مزيد من العزلة، وإن كانت على حساب مصالحهم. ألم تكن اسكتلندا على وشك الانفصال، لولا فشل الاستفتاء العام الماضي بنسبة بسيطة؟ وما الذي يمنع من تكراره بعد التصويت الأخير وقد تحدثت رئيسة وزراء اسكتلندا صراحة عن ذلك بالأمس؟! قيل إن قصة اللاجئين السوريين كانت سببا في التصويت، وهو كلام مبالغ فيه بكل تأكيد، لأن بريطانيا بسبب طبيعة حدودها البحرية كانت الأقل تأثرا بموجة اللجوء الأخيرة، لكنها كانت تتأثر بشكل آخر من أشكال اللجوء أو الهجرة من بلدان أوروبا الشرقية التي دخلت الاتحاد الأوروبي، والتي يبحث شبابها عن حياة أفضل في بريطانيا، الأمر الذي ترك آثارا لا يمكن إنكارها على البلاد في السنوات الأخيرة. وحتى لو قيل إن مسألة الهجرة السورية قد أثرت، ويمكن أن تؤثر على آخرين في الفضاء الأوروبي لاحقا، فإنها جزء من مظالمنا أيضا، فأوروبا لم تقف إلى جانب الشعب السوري، وكانت أقرب عمليا إلى تثبيت الطاغية، وأقله إطالة أمد الحرب وفق السياسة الأمريكية الإسرائيلية، كما أن موقفها من الربيع العربي كله كان بائسا وسيئا، وساندت الثورات المضادة، ووصلت الحال ببريطانيا حد التراجع عن قيمها التقليدية في معاملة المعارضين، كما حصل في تقريرها عن الإخوان مثلا، وبالطبع بسبب مصالح تجارية مع دول معينة. في أي حال، فهذه الفوضى التي تتصاعد في المشهد الدولي، وتعدد الأقطاب وتناقضها يفيد القوى الضعيفة، ويتيح فرصة جديدة أمام الشعوب كي تستعيد قرارها بعدما أجهضت محاولتها الأولى عبر ربيع العرب بتواطؤ من المحاور الدولية الكبرى التي اتفقت على لجم طموح أمتنا في التحرر والنهوض، وساعدتها في ذلك منظومة داخلية تريد بقاء كل شيء على حاله.
(الدستور 2016-06-25)