موتى برعاية رسمية
![موتى برعاية رسمية موتى برعاية رسمية](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/ed2d1c0ad7599fcbb75d0b4eb3247dd2.jpg)
ثمة ما يدعو للتفاؤل بشأن استقرار الأسعار في الأردن، لخدمة واحدة على الأقل. إذ بقي سعر القبر عند خمسين دينارا، حسبما أكدت مصادر في أمانة عمان الكبرى، خلال السنوات الخمس الماضية، رغم ارتفاع كلفة تجهيز القبور!
وهناك ما يدعو للابتهاج أكثر عندما يعلم المرء أن بعض القبور يقدم مجانا لمن ليس له معيل، أو من يثبت أنه بلا دخل أو يحصل على معونة، شريطة إثبات ذلك بوثائق وتواقيع رسمية. إنها أعطيات كبيرة تجعل الفقراء والمسحوقين يموتون بسلام، من دون أن ينشغلوا بالتفكير في شراء قبر لا قدرة لهم على دفع سعره. صدقا، الحكومات في بلادنا لا تقصر مع الفقراء، فهي ترعى موتهم!
الاستقرار الآنف يخص سنوات معقدة وقاسية بين 2011 و2016. لكنه استقرار انحصر بالموت والقبر، أما باقي الأسعار والخدمات فشهدت ارتفاعات شاهقة قلبت حياة الأردنيين رأسا على عقب. إذ حتى العدس أصبح عصيا على الفقراء، بعد أن ارتبطت أسعاره اكثر ببورصات التسعير الدولية للسلع الغذائية الأساسية.
استقر سعر القبر، وتضاعفت المديونية في هذه السنوات العجاف؛ فمن مستوى 13 مليار دينار مديونية في 2011، أسهمت سياسات الارتجال والشهية المفتوحة على الإنفاق بمضاعفتها إلى نحو 26 مليار دينار منتصف العام الحالي.
وبخلاف ما سبق، بقي الحد الأدنى للأجور بين 2011 و2016 عند مستوى متدن، فما الذي يقوى على فعله مبلغ 190 دينارا لعامل متزوج ولديه طفلان؟ وإذا سلمنا بأن موجات الغلاء اجتاحت البلاد والمنطقة في السنوات الماضية بشكل يصعب تحمله، فإن ثبات الحد الأدنى للأجور خلال تلك الفترة يعني أن المواطنين، لاسيما الفقراء، واجهوا هذه السنوات من دون أي تحصينات تحميهم وعائلاتهم من تحمل أعباء الحياة. وتبعا لاستطلاعات محلية، فإن ربع الأردنيين يتقاضون رواتب شهرية تقع ضمن محيط الحد الأدنى للأجور.
بالعودة إلى الموت واستقرار أسعار القبور، يمكن القول إن ثبات سعر القبر عند خمسين دينارا يعني أن الاقتصاد لديه أدوات في الحفاظ على استقرار الخدمات إن أراد ذلك. لكنها أدوات تخص الأموات لا الأحياء، وإن كان الفقر يوازي الموت الأكبر؛ فتقلبات الأسعار والضنك الاقتصادي الذي كابده الأردنيون في السنوات الأخيرة، حولت حياتهم إلى مسلسل حسرة وأوجاع لا تنتهي، يشعر فيها المرء كأنه وسط عاصفة لا يدري إلى أين ستقذفه، فمواسم الإنفاق مرعبة بالنسبة له؛ إذ يخاف من المدارس والأعياد ورمضان، ولا يعلم ما الذي سيحل به في اليوم التالي!
(الغد 2016-06-28)