حين يخلع «السلطان» العمامة !!
لم نطلب من السيد اردوغان ان يحرر لنا فلسطين، ولا ان يرفع الحصار عن غزة، هو الذي اقحم نفسه وتركيا في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو الذي لبس عمامة السلطان عبد الحميد وربطة اتاتورك، فلا كان السلطان ولا كان اتاتورك . بل تبين انه ظاهرة صوتية .يتحدث كثيرا ولا يقول شيئاً، يتعهد بما لا قدرة عليه ويعود الى نقطة الصفر ،بعد ان يكون أشبعنا هواءً لا يغني ولا يسمن من جوع ولا يفتح بحر غزة . ها هو يطبّع العلاقات مع حكومة نتنياهو وفي الوقت نفسه يعتذر لبوتين عن اسقاط الطائرة الروسية، بعد ان كان يصرخ ويهدد موسكو إذ اعتقدنا -وقتها- أن حربا سيشنها ضد روسيا وربما يدخل الكرملين ..فاتحاً! التطبيع التركي الرسمي والمعلن مع اسرائيل جاء بعد ست سنوات من حادثة مرمرة التي قتلت فيها اسرائيل ستة عشر تركيا كانوا على متن احدى سفن كسر حصار غزة وهو الشعار الذي كان يرفعه اردوغان لعودة العلاقات مع اسرائيل ،لكن اتفاق التطبيع تضمن رضوخا تركيا للشروط الاسرائيلية وليس العكس . وكل ما جناه الغزيون من تركيا بموجب الاتفاق اقامة مستشفى، ومحطتي كهرباء، وتحلية مياه وعشرة آلاف طن من المساعدات الانسانية ستمر عبر ميناء اسدود -بعد تفتيش امني اسرائيلي وحسب مزاج المجندة او الجندي المناوب- بالنسبة للمستشفى «التركي» فان المستشفى الاردني يعمل في قطاع غزة منذ سنوات حيث عالج آلاف الفلسطينيين سواء كانوا مرضى عاديين او من جرحى العدوان الاسرائيلي وما يزال يعمل ويجري مئات العمليات الجراحية من دون أي بهرجة اعلامية . اما المساعدات الانسانية «التركية» التي تضمنها الاتفاق فقد كانت معروضة على حماس من اكثر من جهة عربية و دولية .وما تسميه تركيا عدم رضوخها لطلب اسرائيل بقطع علاقاتها مع حماس فهو يفيد اسرائيل اكثر مما يفيد حماس واهل غزة اذ انه يسمح لتركيا بممارسة ضغط على حماس اذا ما استيقظت الاخيرة من الغفوة السياسية والارتباط بدول تأكد عدم جديتها في مقارعة اسرائيل و «كفرها» بالكفاح المسلح كطريق وحيد للتحرير . لا احد يمنع تركيا اردوغان من الالتفات الى مصالحها وبخاصة الضائقة الاقتصادية التي تمر بها سواء حاجتها للغاز الفلسطيني المحتل او لجهة تصدير البضائع والمنتجات الزراعية الى الاسواق الروسية ،لكن..من طلب من اردوغان ان يوهم الفلسطينيين انه السلطان عبد الحميد الثاني الذي رفض عرض الحركة الصهيونية بتسديد كل ديون الدولة العثمانية التي كانت تعاني الهزيمة والضعف وكانت «رجل اوروبا المريض» مقابل اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ؟! لقد أسهم اردوغان في تفكيك سوريا وسمح لداعش ان تمر من مطار اسطنبول ومن الحدود لتمارس دورها البشع في لعبة التقسيم الدولية للدول العربية .وخلال السنوات الست الماضية لم تتوقف الاتصالاات التركية الاسرائيلية تجارياً واقتصادياً . لقد خدعنا اردوغان باللافتة الاسلامية التي رفعها ورسخ فصل غزة عن الضفة الغربية المحتلة ونعتقد ان له دورا رئيسا في منع المصالحة بين فتح وحماس وبذلك قدم اكبر خدمة لاسرائيل . لم يفعل اردوغان شيئاً واقعياً للفلسطينيين بل اوقعهم في شر حسن نواياهم تجاه أي انسان يتفهم قضيتهم ويمد لهم يد المساعدة .فقد نصب نفسه راعياً للاخوان المسلمين الذين هم ايضاً أسهموا في تفتيت سوريا وضرب الوحدة الوطنية في مصر وفي دول عربية اخرى . ليتها لم تكن تلك اللقطة في دافوس 2009.ليتنا لم تنطل علينا منذ البداية عنترية اردوغان حين اهان شمعون بيريز ورمى الاوراق وغادر منصة المؤتمر.ولأننا العرب جوعى كرامة صفقنا للرجل ومنحناه الجنسية العربية في قلوبنا العطشى للكبرياء .
(الدستور 2016-06-29)