وطنية لا فاشية!
![وطنية لا فاشية! وطنية لا فاشية!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/2cd858d904efe9377a8d55e8ca8688a1.jpg)
من الطبيعي أن نشعر جميعاً -أردنيين- بالغضب والصدمة مما حدث من عمليات إرهابية مؤخراً، بخاصة الأخيرة بمحاذاة مخيم الركبان، على الحدود الشمالية الشرقية؛ وأن ترتفع المشاعر الوطنية إلى مستويات عليا، ويتكثف حضورها في المجال العام وفي التأكيد عليها.
في الوقت نفسه، من الضروري ألا تنتقل هذه المشاعر، أو ينقلها البعض، تحت وطأة الحزن والانفعال، إلى ما يتجاوز الوطنية؛ إلى خطابات عصابية متشنّجة تجاه الأشقاء السوريين، الذين هرب أغلبهم من جحيم الحرب هناك، وحتى في مخيم الركبان الذي يعاني أغلب سكّانه من العطش والجوع وظروف لاإنسانية قهرية، ولا يجوز أن يدفعوا ثمن عمل تنظيم متطرف مرّ بعمليته عبر مخيمهم البائس!
من الضروري، أيضاً، ألا يختلط الحابل بالنابل، فنخرج في تداعيات ما حدث عن سياقه الصحيح، لنفجّر أزمة اجتماعية داخلية على وقع التمييز والمفاضلة بين الفئات الاجتماعية والطبقات الكادحة والغنية ووظائف الناس وأعمالهم. فمن يقف على الحدود يحرس الوطن ولا ينام هو ابننا، والموظف الشريف الذي يعمل بوزارته هو مواطن محترم، والوزير الصادق في أعماله ومهماته يخدم الوطن، والاقتصادي الناجح الذي يوظّف آلاف الأردنيين ويدفع ضرائبه، والمهنى الناجح، كلهم مواطنون شرفاء يؤدون ما هو مطلوب، والجميع من موقعه يبني الوطن ويحميه من الوقوع في براثن ما يحدث في المنطقة من ويلات!
وبالرغم من المشاعر النبيلة والروح الوطنية الغامرة التي اجتاحت الأردنيين وخلقت مناخاً صلباً في مواجهة تلك الأحداث المؤلمة، فإنّ بعض الخطابات خرج عن الخط الصحيح وانحرف إلى تجريم الأشقاء السوريين أو المبالغة في انتقاد استضافتهم وفتح الحدود لهم، أو إلى شق الصف الوطني وتأزيم الحالة الداخلية عبر خطابات مأزومة تميز الناس على أساس طبقي، وفي أحيان يستبطن بعداً هويّاتياً فرعياً. وربما هذه الخطابات هي أكبر خدمة تقدّم لمن يريد المساس بالأردن في هذه اللحظة الدقيقة والصعبة!
حرس الحدود هم من يحمون ثغور الوطن ويقفون على بواباته ومداخله، ولولا تلك الجهود لدخلت مصائب علينا جميعاً. على الطرف الآخر، فإنّ السلم الداخلي والتعاضد الوطني في النموذج الأردني إنسانياً، وفي الانفتاح وعدم التعصب، هي جدار الحماية الداخلية. ومواجهة الإرهاب والتطرف تكمن في تعزيز النموذج الصحيح في مواجهة الخيارات والبدائل المقلقة التي نراها، سواء تلك التي تقدمها الأنظمة الدكتاتورية التي تذبح شعوبها وتصادر حريتها وتهجّرها، أو القوى والفصائل الطائفية المتطرفة والعدمية التي تريد أن تهدم الأوطان على رؤوس الناس.
حتى هذه اللحظة عبر الأردن هذه الفترة العصيبة وسط أزمات طاحنة أصابت شظاياها أوروبا وأميركا، ووصلت إلى قارات العالم جميعاً، وتمكّنت القوات المسلحة والمخابرات والأمن من الحدّ من خطورتها إلى أقل درجة ممكنة، وهذه قصة نجاح عظيمة. لكن الحرب الكبرى اليوم رمزية، تستدعي منّا الاهتمام بحماية النموذج وتعزيز القوة الروحية، والإصرار على الإصلاح لا الارتكاس إلى خطابات منغلقة متقوقعة تتحرك على إحداثيات الخوف والرعب!
ما سبق هي من وجهة نظري "بدهيات" مهمة اليوم. لكن من المهم التذكير بها والتأكيد عليها، خاصة بعد إصدار تنظيم "داعش" فيديو لعملية الركبان، ما يؤذن باحتمالية انتقال المعركة المفتوحة معه إلى مستوىً أخطر في المرحلة المقبلة.
إذ ثمّة فرق كبير بين حجر يلقى في بئرٍ راكدة فيُحدث اهتزازات شديدة، وبين حجر يلقى في نهرٍ جارٍ يسير بقوة إلى الأمام، لا يؤثر به حجر ولا أحجار!
(الغد 2016-06-30)