يوميات مقدسية
لاتجد قضية تغيب وسط هذه المذابح في العالمين العربي والاسلامي، مثل قضية القدس، بكل مقدساتها وناسها وقيمتها والاخطار التي تهددها. القدس يتم تغييبها في الوعي، لصالح احلال قضايا اخرى، اقلها الانشغال بذبح الالاف في رمضان، مثلا، في كل مكان، وذبح مئات الالاف سنويا في كل هذا العالم الموبوء بالخراب، واستمرار اسالة الدماء، في كل مكان. القدس حين تغيب، سياسيا واعلاميا، تغيب معها قضية فلسطين، بكل تفاصيلها، ولاتعرف لمصلحة من يتم التعامي عما يجري في القدس، فوجدانيا وعاطفيا، تتوارى القدس بكل تفاصيلها، عن أعين الناس، والاعلام العربي والاسلامي، هنا، يرتكب جريمة نكراء، ويتورط من حيث يحتسب او لايحتسب في القضايا اليومية المستجدة، ويساعد في اضعاف القدس في الذاكرة العربية والاسلامية، والتعمية عليها، فهي ليست مدينة فلسطينية وحسب، بقدر كونها، مدينة عربية واسلامية، لكل واحد من هذه الامة، صلة بها، بشكل او آخر، فهي ايضا مدينة فوق التصنيفات الصغيرة. في رمضان، خرج موقع هلا اخبار الاردني، عن المألوف، فأرسل فريقا اعلاميا ثلاثيا الى القدس، غطى ونقل يومياته، يوميات الصلاة في الاقصى وقبة الصخرة، يوميات الحياة، طبيعة الناس، حياتهم وهمومهم، ولم يكتف الفريق المكون من الزملاء وائل جرايشة، محمد ابوحميد، حسن العالول، بالتغطية الاعلامية، وحسب، بل قاموا بأنسنة الصورة والنص، وهذا فعل احترافي، يعبر ايضا عن روح وطنية وقومية، ومهنية، لان أنسنة النص والصورة، يجعلهما تحفران في الوجدان، وتحركان المشاعر، وتعيدا بث الطاقة الحيوية باتجاه قضية تتوارى في الظلال يوما بعد يوم. من بين آلاف وسائل الاعلام العربية والاسلامية، لاتجد احدا يتذكر القدس، الا اذا حدثت مواجهة دموية، حتى نقل الصلاة من الاقصى لانراه في الاعلام التلفزيوني، ولانجد اي محاولة لاحياء هذه المدينة في نفوس الناس، باعتبارها تواجه خطر التهويد، ولكونها ايضا تعبر عن مجمل قضية فلسطين، وللاسف فأن الاعلام العربي والاسلامي، لايترك القدس، ليتحدث عن غزة، مثلا، بل يترك القدس، لانه ترك كل قضية فلسطين. الجهد المبذول، شجاع، لان الفريق يقول لك ايضا، ان هناك حياة غائبة، بكل تفاصيلها، وجوه الباعة، المصلون، الناس، وضعهم الاقتصادي، حصارهم، الاغلاقات، احتياجات الاقصى، ماتواجهه بقية مدن الضفة الغربية، وغير ذلك من تفاصيل نقرأها لاول مرة، فقد انعش الفريق القدس، في الذاكرة، واعاد تسليط الاضواء عليها، وهي تعاني اليوم بشدة من الهجران السياسي والاعلامي والاجتماعي، على حد سواء. يستحقون الشكر، لانهم قبل عملهم، شاركوا بما هو اهم، تذكير الناس بالقدس، القدس الفلسطينية، كما هي الاردنية، مثلما هي العربية والاسلامية، القدس التي قيل فيها، ان من يحكمها يحكم العالم، وهي القدس التي ستبقى حية تنبض روحانية وصمودا بمن فيها، وبمن يتعلق بها، من حولها وحواليها ايضا.
(الدستور 2016-07-05)