“النكاية” بديلاً عن السياسة

تم نشره الثلاثاء 05 تمّوز / يوليو 2016 12:45 صباحاً
“النكاية” بديلاً عن السياسة
عريب الرنتاوي

تتحول السياسة إلى “نكاية” في عالمنا العربي، حتى التصويت في الانتخابات العامة، والمفروض أنه يحتكم للبرامج والتوجهات، يأخذ طابعاً “نكائيا” مناكفاً، في بعض الأحايين ... في فلسطين صوتوا لحماس نكاية بفتح، وفي لبنان، صوتوا لقوائم عوائلية ومدنية، نكاية بالأحزاب السياسية الكبرى، أحزاب الطوائف وأمرائها، وكذا الحال في أماكن وأوقات أخرى. أهل السلطة الفلسطينية، بعضهم على الأقل، فرحون بالتقارب التركي – الإسرائيلي، تشتم ذلك من رائحة تعليقاتهم وردود أفعالهم، وكتاباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي “الكاشفة” لبواطن الأمور وظواهرها ... مع أن تقارب دولة إقليمية بحجم تركيا مع إسرائيل، أمر ينبغي أن يدفع على القلق والتحسب، وليس على البهجة والحبور ... أما لماذا هم فرحون بهذا التقارب، فـ “نكاية” بحماس، التي بلغت علاقاتها بأنقرة، حداً عظيماً في السنوات الأخيرة، وأصبحت بعد القطيعة مع إيران، أهم حليف إقليمي للحركة. الشعور ذاته، تجده عند بعض أنصار “محور المقاومة والممانعة”، الذي نشأ بحكم تعريفه، على قاعدة العداء لإسرائيل ومقاومتها ... ثمة احتفالية مضمرة، بعودة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب إلى طبيعتها، مع أن اقتراب دولة بحجم تركيا وهرولتها صوب إسرائيل، أمر ينبغي أن يتسبب بانزعاج هؤلاء ... لكنهم وقد أبرموا فيما بينهم، أوراق “الوكالة الحصرية” لـ”المقاومة والممانعة”، لا يريدون لأحدٍ أن يشاطرهم وكالتهم هذه، ولا يترددون في إظهار الفرح الشامت بـ “عودة الابن الضال” إلى أحضان معسكره القديم، وكل ذلك على خلفية الأزمة السورية وانقساماتها السياسية والمذهبية العميقة، التي أطاحت بالعقل والوعي، قبل أن تزهقأرواح مئات ألوف الأبرياء في أتونها الدامي. تعددت الأسباب و”النكاية” واحدة ... أركان في 14 آذار، يجهدون اليوم لـ “تبرئة” داعش من “فرية” استهداف قرية القاع المسيحية البقاعية/ الشمالية ... مع أن الهجمات الانتحارية المتعددة التي شهدتها البلدة، تنهض كشاهد بشع ودامٍ على ضراوة الاستهداف، الذي لا هدف من ورائه، سوى القتل من أجل القتل، وترويع الأبرياء وضرب نظرية الأمن اللبناني وإشاعة الفوضى والانقسامات الطائفية والمذهبية والتحريض على فريق من اللبنانيين ... حزب الله وجدها مناسبة لتأكيد مقولته القديمة بأن لبنان مستهدف من قبل “الدواعش” الكثر، سواء صعد بمقاتليه إلى سوريا أم بقي في خنادقه في لبنان ... هذا أمر لا يروق لساسة لبنانيين من المعسكر الآخر، فتراهم ينبرون لتفنيد مقولة الحزب، حتى وإن اقتضى الأمر، إصدار صكوك غفران للتنظيم الإرهابي من تهمة استهداف البلدة المسيحية، كل ذلك من باب “النكايات” و”المناكفات”، لا أكثر ولا أقل. “داعش” يتفوق على نفسه في عملية الكرادة الإرهابية، من حيث “إدارة التوحش”، وهو الذي لم يعد يجد من ينافسه أو يتفوق عليه، من بين جميع الجماعات الإرهابية ... إحدى صحفنا المحلية، تفضل الصدور بمانشيت يتحدث عن “طرد العبادي” من الكرادة التي جاءها متفقداً، ولكأن هذه الواقعة، هي “الخبر”، مع أن جوهر الخبر، يقع في مكان آخر، حيث تتناثر أشلاء مئات العراقيين من الجرحى والشهداء، لكن مقتضيات “النكاية” تقتضي تركيز الانتباه في مكان آخر، طالما أن رئيس الوزراء العراقي، ينتمي لمعسكر آخر ومذهب مغاير. في مصر، يبدو منطق “النكايات” حاكماً لسلوك بعض السياسيين من المعارضات المهجوسة بـ “عقدة السيسي”... ترى أخبارهم وتصريحاتهم تتمنى الخراب لمصر والمصريين، طالما ظل السيسي متربعاً على رأس هرم السلام في “المحروسة”، لا تمييز هنا بين “وطن” و”مصالح وطنية” و”ثوابت”، وتكتيكات سياسية، ولا فرق بين خلاف مع النظام وصراع من أجل السلطة من جهة، وحرب على الدولة والكيان والشعب من جهة ثانية ... من بعدي الطوفان، هو الشعار النظام لعمل هؤلاء وتفكيرهم ... و”النكاية” هي البديل الوحيد للسياسة في سلوكهم ومواقفهم ... وما ينطبق على الحالة السورية بـ “قراط واحد”، تجده متجلياً على الساحة السورية بـ “24 قيراط” ... هنا النكاية، والنكاية وحدها، هي من يحكم سلوك قوى محتربة ومصطرعة، دخلت منذ أعوام في لعبة “الخيار الصفري”. في زمن “حروب الجميع ضد الجميع”، لا منطق يحكم السياسة والمواقف، ولا تمييز بين “عدو حقيقي” وآخر “مفتعل” أو “مفبرك” ... في زمن الانقسامات والصراعات المذهبية والطائفية و”الاقوامية”، يغيب العقل والمنطق، وتغيب السياسة، لتحل محلها النكايات والمناكفات.

(الدستور 2016-07-05)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات