أنطاليا وقوة الجذب
لا يمكن النظر للسياحة إلا كصناعة، يشترط لتحققها توفر أسباب النجاح ذات الصلة بتجهيز البنية التحتية، ودور الحكومة وقبلها القطاع الخاص في إعداد منتجات سياحية قادرة على استقطاب السياح من شتى بقاع الأرض. تلك صناعة وحرفة، هناك من يعرف خباياها ويقوى على تطويرها، بينما يرتجل آخرون ولا يفعلون شيئا في هذا المجال، فتبقى الكنوز التي منحهم إياها الخالق من دون استغلال، لتغيب السياحة كمفهوم وصناعة، ويحل مكانها الفشل واندثار الثروات.
يصعب على المرء تصديق ما يراه من قدرات خارقة في سياق جذب السياح بمدينة أنطاليا التركية. ففي البلد الذي تعرض وما يزال يتعرض لهجمات إرهابية استهدفت السياحة فيه، تضم المدينة شوارع مزدحمة بالسياح، ومطارا يقف فيه الأجانب لوقت ليس بقليل من شدة الاكتظاظ وكثرة المسافرين من المدينة وإليها، وهي التي تضم منتجعات تجمع بين منتجات سياحية بأسعار معقولة وصناعة ترفيهية ذكية، يتمكن فيها أفراد العائلة كافة من إيجاد ما يسرهم. والصناعة ذاتها محكومة بأفكار متجددة للجذب، همها الأول شعور السائح بالرضى، وأن يتمكن القائمون على هذه السياحة من تحصيل أكثر من ألف دولار من هذا السائح، شريطة أن يكون مقتنعا بما قدم له من خدمة.
صانعو هذه السياحة في تركيا لم يستسلموا للتوتر الذي نشب العام الماضي بين أنقرة وموسكو، وتراهم يعملون ليل نهار من أجل تأكيد وصول نحو خمسة ملايين روسي إلى بلادهم، ثلاثة أرباعهم إلى أنطاليا. ويجد المرء على شاطئ المدينة على البحر الأبيض المتوسط، أن العولمة متحققة في مكان واحد. ونتيجة الانسجام التام بين أطراف المنتج السياحي كافة، استطاعت تركيا في السنوات الاخيرة الانتقال من مستوى 13 مليون سائح في العام 2002، إلى 36 مليونا العام الماضي. وهذا إنجاز يسجل للدولة التركية كلها، ولمؤسساتها الناشطة في الاقتصاد بهمة عالية، من أجل كسب عشرات المليارات ورفد الاقتصاد بما يسهم في انتعاشه، رغم كل ما يحيط بتركيا والمنطقة من ظروف.
والقطاع الخاص التركي مبدع بحق؛ فأفكاره استثنائية ولا تعرف المستحيل. إذ هناك، مثلاً، فندق مقسم إلى جزأين؛ خصص الأول للنوم والاسترخاء، بينما ينقل السائح -بعد الصباح- وخلال دقيقتين، إلى جزء آخر يضج بكل أشكال الفرح والحركة واللعب. وكل هذا يتم بخدمات لا يدفع فيها السائح فلسا واحدا، إذ إن الاتفاق مع الفندق على أن الدفع يتم مسبقا، بما يشمل كل شيء على صعيد الأكل والشرب واستخدام كل الخدمات في الفندق. وفي المقابل، تنتشر الابتسامة على وجوه كوادر كبيرة تقوم على خدمة السياح في مؤسسات تجعل من السياحة أمرا مذهلا.
أنطاليا التركية تقوى على مزيد من الجذب. وشبابها الذين يعمل بعضهم في السياحة لا ينامون إلا ساعتين أو ثلاثا من أجل إدامة تأمين الأفواج السياحية في مدينتهم. بينما يواصل كثيرون في قطاعنا الخاص تقديم المطالبات فقط من الحكومة بضرورة خفض الضرائب، والاختباء خلف "شماعة" الأوضاع الإقليمية و"عدم مسؤولية" الإعلام في الكتابة عن الأوضاع في البلد بما يجعل السياح ينفرون!
(الغد 2016-07-16)