أخطر مقال لتوجان فيصل : صدق أو لا تصدق !
المدينة نيوز - توجان فيصل : بعد أكثر من واحد وعشرين عاما من انتفاضة الشعب الأردني ضد الفساد والتفرد بالحكم مطالبا بالديمقراطية.. ستجري الخريف القادم انتخابات تكرس حسب كل المؤشرات, رئاسة حكومة ورئاسة برلمان هما تحديدا من انتفض الشعب مطالبا بعزلهما, وبالاسم.
ولن نتوقف عند مدير الأمن العام الذي قام بقمع المنتفضين عام 89 بصورة تسببت في سقوط ضحايا (وقبلها قمع طلبة جامعة اليرموك بذات العنف الذي أسقط ضحايا من الطلبة أيضا), جعلت عزله مطلبا موازيا لعزل الحكومة بكاملها حينها..وانتهى الأمر بزعم فوزه بمقعد نيابي ثم احتكاره رئاسة المجلس, كميراث عائلي لحكومة "وادي عربة ".. فهذا شرحته في مقالات سابقة .
ولكنني سأتوقف هنا عند جديد القصة الذي تناولته الصحافة, ومفاده ان حل مجلس النواب السابق وتعيين رئيسه ذاك في مجلس الأعيان هو "لإقناعه " بترك مجلس النواب.
وهو ما رد عليه المعني مؤخرا بتصعيد مطالبه, وجزمه بأن كتلته في المجلس القادم لن تكون بهشاشة الكتل التي شكلها سابقا , قائلا "لن نقبل بكتلة نيابية لا تؤثر في سياسات الحكومة وقراراتها ".. لأول مرة يتصرف أحد المغضوب عليهم شعبيا بمجمل حصيلة الغضب من سنوات القمع والعرفية مضافا لها "وادي عربة ", كوارث لمجلس النواب يخشى غضبه ويرتجى "رضاه بالتنحي ", فيرد بهذا القول الذي بات يجرؤ عليه فقط المسمون "مراكز القوى " هبطت بكثرة مؤخرا على أرض لم تنبتها.. أمر عسير على الفهم, على الأقل بحدود الدستور وسلطات أطراف عقد الحكم فيه, وحتى المعلن من شؤون السياسة بكل تجاوزاتها للدستور.
هذا عن وراثة مجلس نواب لم ينتخب, ويفترض من مجريات وأعذار حل سابقة أن يأتي على غير شاكلة السابق لحد بعيد. أما وراثة الحكومة, فقد يفهم جزئيا لو أن الرئيس الابن قد انتفض على أبيه.. وهو ما لم يحدث, بل إن الإبن ورث أباه حقيقة, بدليل أن الأب أعلن استقالته من رئاسة مجلس الأعيان بعد إعادة تكريسه هو نفسه رئيسا له , واعتزاله الحياة السياسية عند تكليف ابنه برئاسة الحكومة.. أي أن الأب اختار أن يتنحى لوريثه في المنصب الأهم.
وتداول الناس أخبارا مفادها قيام الأب باختياره أقطاب هذه الحكومة, وبخاصة نائب الرئيس المكلف بالملف الإقتصادي ولكن المتولي لدور " الفلتر " في أي اتصال بين "الرئيس " والشعب.. رغم قلة الحاجة للفلترة, "كما " على الأقل, كون أحد أهم سياسات هذه الحكومة أنها لا تحاور ابتداء بل " تقرر " ثم "تصرّح " على أحسن تقدير , والذي هو نهج المرحلة العرفية ما قبل عام 89 .
واللقاءات المحدودة التي تمت ما بين الحكومة وبعض القطاعات الشعبية , لم يكن أي منها "حواريا ", بل كان أقرب للقاء وفود عشائرية أو قطاعية تتحرك لشأن قطاعي.
وهكذا وفود لا تمتلك بالضرورة قدرات حوارية ولا برامج سياسية تفرض حوارا نوعيا .. وتعمد حصر لقاءات الرئيس بهؤلاء بدأ يزيد من نسبة مساهمة النائب الثاني لرئيس الحكومة في تلك "الفلترة ", وذلك بدفعه المشهد نحو آليات التعامل مع جاهة عشائرية تسقط فيها من الحقوق "بالعشم " أضعاف ما تعطى كاستحقاق قانوني أو حتى دستوري. المشهد بمجمله يمثل ردة لمجمل حال الحكومات ما قبل 89 , حين لم يكن الشعب يعرف إن كان من يرأس الحكومة "أعصمي " أم معصوم, كونه لا يراه إلا من وراء ألف حجاب .
الحكومة, في المحصلة, هي ذاتها " الرفاعية " التي كانت عام 89, وكانت قبلها زمن الجد سمير الذي قامت مظاهرات عدة مطالبة بعزله , تطورت أيام الأب زيد لانتفاضة .. ومن المبكر جدا التنبؤ بتطور أساليب الشعب في عهد الحفيد, ولكن أساليب الحكومة شهدت تطورا نوعيا وغير مسبوق, ويؤشر على أن الرئيس يتصرف كوارث ينوي الإقامة الدائمة في موقعه الموروث.
وقد أعد لهذا بأكثر من مفصل وتفصيل, أبرزها "مفصل " قانون الإنتخاب الذي وضعته حلقة حكومية مصغرة دون تشاور مع أية جهة, بل وبما يناقض كل ما كان مجمعا عليه من سمات لذلك القانون من مختلف القوى الشعبية المؤثرة في هكذا شأن... بل إن المتداول صراحة هو أن الحلقة كانت "عائلية " أكثر منها حكومية, كونها استثنت تماما عددا من وزرائها بمن فيهم المسمى "وزير التنمية السياسية " .
وهذا ليس جديدا بحد ذاته, إذ أن كافة الانتخابات النيابية - منذ إعلان الأحكام العرفية عام 57 وليومنا هذا - كانت تجري بقانون مؤقت تضعه الحكومة, أو بالأحرى رئيسها وحلقته الضيقة.
وكان ذلك يجري بزعم عجيب في درجة خرقه وخلطه للسلطات التي فصلها الدستور , وهو أن مجلس النواب لا ينبغي أن يضع القانون الذي ينتخب بناء عليه ( لهذا عمدت الحكومة ونواب كثر أوصلتهم هي إلى دفن قانون انتخاب تقدمنا به كنواب في أدراج اللجنة القانونية للمجلس لأكثر من ستة عشر عاما لحينه).. واستبدل حق التشريع المحصور دستوريا بالنواب , بقيام الحكومات بوضع قوانين مؤقتة (غير دستورية كما بينا مفصلا في مقالات سابقة) لانتخاب المجلس الذي يفترض أن يعطيها أو يسحب منها الثقة, وأن يحاسبها ماليا وسياسيا أيضا !!
وغني عن القول أن تحديد كامل تفاصيل القانون والأنظمة والتعليمات التابعة له يحدد منتجاته ولو كانت الانتخابات قمة في النزاهة.. وهي لم تكن كذلك يوما, والطعن بنزاهتها يفوق الوثائق المقدمة من المعارضة إلى اعترافات علنية لكل المسؤولين عن إجرائها تصل حد أحاديث تسلية وتندر لهم في المناسبات الاجتماعية.
ولكن التطور النوعي وغير المسبوق في قانون الانتخاب المؤقت الذي جاءت به الحكومة الحالية, انه لم يمعن فقط في تفتيت الدوائر بما يلغي أي جامع لأية مجموعة من الشعب بغض النظر عن المسمى من حزب إلى عشيرة إلى سكان حارة.. بل زاد على هذا بجعل تلك الدوائر "افتراضية ", مما سيجعل نيابة من ستفرزهم بذات الافتراضية.. أو بتعبير أدق في وصف الدائرة ونوابها المزعومين يجمع الشعب عليه, وهو وصف "الوهمية ".. والأخير هو الوصف الأدق .
ففي العالم كله, لو قال نائب أنه "سيعود لدائرته " لأي سبب مما يعود لأجله النواب لدوائرهم , هنالك منطقة جغرافية معروفة وسكانها معروفون وهم من يتم الرجوع إليهم .. في حين انه في حالتنا المقبلة , النائب الذي يزعم أنه قادر على مجرد الاتصال بدائرته واهمٌ ويبيع الوهم في آن .
فهو في الحقيقة سيكون أشبه "باللقيط ": موجود بالفعل , ولكنه لا يستطيع أن ينتسب لأحد . وهذا لا يعني ألا يجرى بعد إعلانه نائبا زعم نسبته لجهة من قبله أو من قبل تلك الجهة , ولكنه سيكون زعما لأسباب مصلحية وبأثر رجعي لا يصدقه أحد, كما سيجري تنصل متبادل من ذلك النسب مما سيحتمه أداء النائب المحسوم بطريقة مجيئه المفصلة لخدمة الحكومة, وخدمة مصالحه هو, وليس لخدمة الشعب.
هذا عن أبرز "المفاصل ", ولكون مساحة المقال لا تسمح, سنأتي فقط لعينات محدودة من "التفاصيل " المؤشرة على اعتبار الحكومة لنفسها "وارثة " وباقية بالتالي باستحقاق الوراثة ذاك.
منها رد الرئيس المتكرر على مطالبات, بل واستحقاقات, التعديل الوزاري, بقوله " لا تعديل قبل الإنتخابات " , مما تستنتج منه الصحافة انه يعتبر نفسه باقيا حتى بعد الإنتخابات, وأن بعض طواقم حكومته هي التي قد تتغير.. مما يؤشر ضمنا, على نتائج محسومة لانتخابات لم تجر بعد.
والتفصيل الثاني , الأهم كونه غير مسبوق هو أيضا كما الدوائر الإفتراضية , يتمثل في قرار رئيس الحكومة إقامة " ديوان جديد " للرئاسة في مبنى مجاور منفصل تماما عن مبنى الرئاسة الحالي كان قد أعد ليكون سكنا لرئيس تصادف انه ليس بثراء البقية.
ويستنتج المؤيدون والمتزلفون (وليس المعارضة) من هذا الإجراء غير المسبوق بأن الرئيس لا يخفي طموحاته ويحضر نفسه لإقامة طويلة في الدوار الرابع (مقر الحكومة).. وقد سبق هذا عزل لافت لجناح الرئيس وطواقمه المختارة في مبنى الرئاسة ذاته, ولكن الانفصال المخطط له لـ " ديوانه " يذكر بديوان آخر لرأس السلطة التنفيذية توجب عزله, مكانيا وإداريا, عن جسم السلطة التنفيذي المتمثل في الحكومة لأسباب دستورية وبروتوكولية, وهو "الديوان الملكي ".. وهذه أول مرة يقوم فيها "ديوان رئاسي " منفصل عن جسم الحكومة, وفي "مملكة " وليس في جمهوريةّّ!!( الراية القطرية ) .