دبلوماسية «المقايضة»..واشنطن مثالاً!
![دبلوماسية «المقايضة»..واشنطن مثالاً! دبلوماسية «المقايضة»..واشنطن مثالاً!](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/711c99dd624ff545943ae135749ba3a2.jpg)
يبدو «النقاش» الاميركي الروسي حول سوريا، قد اكتسب بعض «السخونة» بعد فتور لافت عمدت الادارة الاميركية اليه ظناً منها، ان دعمها الميداني والسياسي والاعلامي لقوات سوريا الديمقراطية وخصوصاً حملة الاخيرة المدعومة من طيران التحالف على مدينة منبج، ونجاحها في دحرها داعش وتحريرها المدينة المحاذية لتركيا, ستُغيِّر من موازين القوى في الشمال السوري وتمنح واشنطن ورقة اضافية لفرض شروطها على موسكو, التي كانت والقوات السورية النظامية وتلك الحليفة لها, تخوض معركة إحكام الطوق على الأحياء الشرقية لمدينة حلب, عبر السيطرة الميدانية التامة وليس النارِّية على طريق الكاستيلو, بما هو الشريان الوحيد لايصال الامدادات للمسلحين والمجموعات الارهابية في احياء تلك المدينة المنكوبة، بالاضافة الى دوار الليرمون الذي تشكل سيطرة الجيش السوري عليه, وسيلة ضغط اقوى على هؤلاء الارهابيين.
ما بات يُوصف بـِ «تفاهم» كيري لافروف، يبدو انه قيد الاختبار الحاسم في اليومين المقبلين (غداً او بعد غد) عندما يلتقي الوزيران في لاوس, على هامش اجتماع دوري لدول جنوب شرق آسيا، رغم ان دبلوماسيين اميركيين وروساً سيلتقون ايضاً في جنيف مع المبعوث الدولي دي ميستورا للخوض في جدول اعمال مختلف الى حد كبير، عما بحثه ويبحثه رئيسا الدبلوماسية الاميركية والروسية، حيث ينصَب اهتمام اجتماع جنيف «الثلاثي» على مسائل «إجرائية», من قبيل تعزيز نظام وقف اطلاق النار وتحسين سبل ايصال المساعدات الانسانية، و»محاولة» توفير الظروف الضرورية لحل سياسي, بما يعني التمهيد لعودة محادثات جنيف، رغم الجمود الذي يفرض نفسه على هذا المسار,, بعد ان «تورطت» هيئة مؤتمر الرياض في الانسحاب من المحادثات وباتت هامشية التأثير وسط دعوات لتوسيعها, وخصوصاً انها في نظر كثير من العواصم الدولية والاقليمية المؤثرة لم تعد الممثل «الوحيد» للمعارضات, ويجب ان تشمل في صفوفها «منصات» موسكو والقاهرة وحميميم والأستانة، ناهيك عما تعيشه من انقسام وخلافات واستقالات.
ما علينا..
تفاهُم كيري ــ لافروف، ليس مضمون التطبيق, اذا ما اصرّت واشنطن على «شروطها» التي هي أقرب الى «المقايضة» منها الى بحث سياسي جدّي ومعمق وصادق في تداعيات وأكلاف استمرار الأوضاع الراهنة في سوريا، إن لجهة استفادة داعش والنصرة وباقي التشكيلات الارهابية مثل احرار الشام وجيش الاسلام ونور الدين زنكي (هل تذكرون ذبح الطفل الفلسطيني عبدالله عيسى... مؤخراً؟) أم لجهة الارتباك الذي تعيشه الادارة الاميركية في «آخر أيامها» وهي تعلم ان موسكو ما تزال على موقفها المُعلن في عدم التطرّق لموضوع «الرئاسة» السورية, منذ ما قبل انخراطها «المباشر» في الازمة السورية حتى الآن، وهي قالت وتقول أمس على لسان لافروف: ان هذا الموضوع رهن بالانتخابات، يقرر فيها الشعب السوري ... مصيره، حتى لا يحدث في سوريا ما حدث في ليبيا.
ما مناسبة هذا الكلام الروسي الان؟
رئيس الدبلوماسية الروسية المخضرم «بقّ البحصة» وقال: ان كيري «اشترط» على موسكو عندما حمل مشروعه (التفاهم) لبدء عمليات مشتركة اميركية روسية لاستهداف جبهة النصرة الى جانب داعش بغارات «منسقة»، اولاً: «تخفيف» هجمات القوات الحكومية السورية بما «يكفل» سيطرة الفصائل المعارضة التي تدعمها واشنطن على مناطق النصرة بعد تقويض سيطرتها من الضربات الجوية المشتركة، والثاني - وهذا هو الاساسي - تراجُع موسكو عن موقفها تجاه موقع الرئاسة السورية، بما «يضمن» رحيل الرئيس الاسد، كشرط مسبق لانطلاق الجهود المشتركة ضد الارهاب.. وفق ما اشار اليه لافروف.
وإذا ما عرّجنا على النقاش المُحتدم في الدوائر الاميركية وخصوصا العسكرية واوساط الكونغرس, فإننا نكون أمام الصعوبة البالغة (حتى لا نقول المستحيلة) لعمل عسكري مشترك روسي اميركي, حيث تبرز هنا تصريحات رئيس المخابرات الاميركية جيمس كليبر الرافض بشدة لمجرد «تبادل» المعلومات حول اهداف في سوريا (ما بالك عمليات مشتركة) إذ قال لصحيفة واشنطن بوست: ان سعي موسكو للحصول على مثل هذه المعلومات لتحسين «تصوُّرها» بشأن «مصادر ووسائل واجراءات وتكتيك وتكنولوجيا» الاستخبارات الاميركية، ما يعني في نظره ان هذا «لا يخدم المصالح الاميركية».
للمرء إذاً في ضوء ما هو «مُعلَن» اميركيا وليس مجرد تكهنات او اتهامات،أن يُدقِّق في ما إذا كانت ادارة اوباما جادة وصادقة في كل ضجيجها وادعاءاتها حول محاربة الارهاب ودحر داعش والنصرة كذراع سوري لتنظيم القاعدة، وغيرها من المجموعات المسلحة التي تعيث قتلاً وذبحاً وتدميراً في سوريا وتمتد شرورها الى دول الاقليم وعبرها الى اوروباكما حدث في ميونيخ ونيس؟
ثمة حاجة اميركية «ماسّة» الى انجاز ما يساعد في «تعزيز» إرث اوباما ويمنح ريح إسناد الى المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون, التي تواجه مصاعب جدّية امام «المجنون» دونالد ترامب، لكنها من اسف لم تتنكب طريق الدبلوماسية الناجحة والمستقيمة, بل لجأت الى دبلوماسية «المقايضة» ولهذا لن تجني شيئاً يذكر وهي عبثاً تحاول تحقيق «انتصار» عجزت عنه - ومَنْ والاها في المنطقة - طوال الفترة السابقة.وإلاّ كيف نُفسِّر اقوال الناطق باسم الكرملين الى احتمال زيادة عديد القوات الروسية العاملة في سوريا؟
(الدستور 2016-07-24)