هل بدأت مرحلة «صَوْمَلَةِ» .. اليمن؟
لم يُغيّر اتفاق انصار الله – المؤتمر الشعبي العام, او كما يصفهم خصومهما بتحالف الحوثي – صالح، على تشكيل «مجلس سياسي اعلى» بعد طي صفحة الاعلان الدستوري الذي أُعلِن قبل عامين تقريباً، شيئاً من المشهد اليمني المُعقّد والمفتوح – منذ الآن تحديداً – على احتمالات اشد خطورة مما حدث في الماضي، وخصوصاً بعد ان انهيار محادثات الكويت الممتدة منذ ثلاثة اشهر (بدأت في 21 نيسان الماضي) ولا يبدو ان تقدماً او خرقاً قد حدث رغم الضغوط (التوفيقية) التي بذلتها الدبلوماسية الكويتية بضمانات من امير الدولة ، لكن الهوّة ما تزال واسعة, ليس فقط يصعب التجسير عليها، بل ان طرفي الأزمة يزدادان تمسّْكاً بمواقفهما على نحو بات من الصعوبة بمكان اقناعهما بمواصلة التفاوض, بعد ان تم تحديد اليوم الأخير من تموز الحالي (اليوم الأحد) موعداً لانتهاء تلك المفاوضات .. الى فشل ذريع بالطبع.
واذا كان طرف حكومة هادي الذي يوصف بالشرعي, قد استشاط غضباً وراح ينعي المفاوضات ويصف تشكيل المجلس السياسي الأعلى بأنه «انقلاب ثانٍ» على الشرعية الدستورية والأممية (..) مُطالباً المجتمع الدولي بادانة هذا «الانقلاب الجديد» ، فإن من المهم ، التوقف عند سرّ هذه الغضبة لدى هذا الفريق الذي بدا في لحظات سابقة وكأنه على وشك تحقيق انتصارات ميدانية «حاسمة» تسمح بتوظيفها على طاولة المفاوضات, وراح يُروِّج لنفسه ويضخ عبر وسائل اعلامه بأن تحرير «صنعاء» بات وشيكاً, وان القضاء على الانقلابيين مسألة وقت، بل زعم أن كان فك طوق الحصار عن تعز قد حُسِم, خصوصاً بعد ان تم التوافق بين الحكومة السعودية وجماعة انصار الله على وقف اطلاق النار في المناطق الحدودية والاعلان عن زيارات لوفود «حوثية» الى الرياض لتطوير التفاهمات حول الهدنة او التهدئة... بين الجانبين.
كل شيء الآن يبدو على شفا الانهيار. ليس فقط المفاوضات العقيمة التي تراوح مكانها في الكويت بل وايضاً التهدئة مع الرياض على الحدود المشتركة, فضلاً عن عجز الطرفين – بهذه النسبة او تلك – عن تحقيق اي انجاز ميداني يُجبِر الطرف الآخر او يدفعه مبكراً الى تنازلات صعبة, وإن كان الميزان العسكري يميل لصالح تحالف انصار الله – المؤتمر الشعبي العام، الذي يحرز تقدماً على أكثر من جبهة ويزيد من عجز وحرج قوات هادي التي يكثر المتحدثون باسمها عن انتصارات لم تتحقق، فيما يتواصل مسلسل سفك الدماء وفقدان المستلزمات الطبية ، على نحو بات اليمن بأكمله على وشك السقوط في المجاعة، دون اهمال تمدد تنظيم القاعدة ويعيد داعش تنظيم صفوفه بعد الضربات التي لحقت به وما تعيشه عدن من فلتان امني وانهيار في المرافق والخدمات وفشل حكومة احمد بن دغر في اثبات وجودها في العاصمة المؤقتة التي اختارتها لممارسة «اعمالها» هناك.
أين من هنا؟.
بالعودة الى ما كان يُعلِنه المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ عن «التقدم» الذي تم احرازه في مفاوضات الكويت, وعن قُرب التوقيع على اتفاقية شاملة بين الطرفين تعتمد في اطارها العام على الانسحاب من المدن وجمع الأسلحة وتشكيل حكومة جديدة, بل قيل في بعض الأحيان, ان «التوافق» قد تم على تحييد «هادي» والتمهيد لانتخاب رئيس «توافقي» جديد، فان الحصيلة النهائية للمفاوضات تبدو «صفرية» ولم تكن الهجمات والانتقادات اللاذعة التي طالت «ولد الشيخ» من الطرفين, سوى الدليل الأبلغ على ان مساعي المبعوث الأممي تراوح مكانها، وانه لن يُرضي الطرفين، لأن كل واحد منهما يسعى الى فرض شروطه ودفع الطرف الآخر الى الاستسلام، وهذا يظهر بوضوح اكثر في خطاب وفد هادي الذي يريد اعادة الامور الى نقطة البداية، فيما لا يملك من الأوراق الميدانية او السياسية, ما يُمكّنه من تحقيق اهدافه, حيث موازين القوى على الأرض تبدو لصالح تحالف الحوثي – صالح.
وإذ رفض وفد انصار الله والمؤتمر الشعبي تسليم أسلحته, وتساءل لمن تسلم هذه الأسلحة بعد الانسحاب من المدن, ودعا الى التوافق على شخصية الرئيس الجديد، حيث حسموا أمرهم وقالوا ان لا مكان لـ»هادي» في المشهد اليمني الجديد، فإن وقائع الايام اليمنية الجديدة قد تجاوزت هذه المسائل بكثير, وبات مطلوباً الآن, اذ ما اريد تجنب انزلاق اليمن الى المجهول وتحوله الى شبيه اكثر سوءاً من جاره الغربي... «الصومال»، هو طرح مبادرة جديدة بالكامل تطوي كل المفردات والمصطلحات، بل قل المبادرات التي تم التمسك بها خلال المفاوضات, والبحث عن مقاربة عملية قابلة للتطبيق تُغادر مربع النظر الى ما حدث مؤخراً, بأنه «انقلاب ثانٍ» او اطلاق رصاصة الرحمة على مفاوضات الكويت او انتهاك لِقرار مجلس الأمن رقم 2216, الذي لا يكتسب, كما كل قرارات الأمم المتحدة, صفة القداسة, ما دام لا يلبي مصالح الشعب اليمني (او اي شعب عربي آخر) ولعل اطرف ردود الفعل على اعلان (الحوثي – صالح) المجلس السياسي الأعلى, ما اعلنه ولد الشيخ نفسه عندما وصف الاعلان»الحوثي الصالحي» بأنه انتهاك «قوي» لقرار مجلس الأمن 2216 وخرق واضح للدستور اليمني والمبادرة الخليجية.. فهل ثمة دستور يمني معمول به... فعلاً؟
(الرأي 2016-07-31)