لا تحجبوا هؤلاء !!
كلما اوشكت على اليأس من مواصلة الطرق على الباب الموصد الذي يتدلى عليه قفل مغمور بالصدأ يفاجئني اناس عاديون منهم سائق التاكسي او البائع او الموظف الصغير يقرأون ويتأملون لكن في صمت وبلا اية مزاعم او استعراض ! ولأن هؤلاء بعيدون عن الاضاءة ونلتقيهم بالصدفة فقط، فإن الحكم عليهم غيابيا بالجهل واللامبالاة هو حكم جائر يستحق التدارك والاعتذار . انهم يذكرونني بنصوص ادبية القاسم المشترك بينها هو ان الاكثر صمتا هو الضحية، ومنها الابنة الصغرى للملك لير في مسرحية شكسبير التي لم تعبّر عن عواطفها بشكل استعراضي صاخب وكاذب ومنها ايضا قصيدة للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف يقول فيها انه احب في حياته ثلاث نساء ثم قرر ان يهاجر فذهب الى الاولى ليودعها فصرخت وبكت حتى تجمّع الناس حولها، وحين ذهب ليودع الثانية بكت وصرخت لكن بشكل اقل صخبا مما فعلت الاولى . اما الثالثة فلم تقل شيئا وامتلأت عيناها بالدموع وظلت صامتة . يقول حمزاتوف بعد ذلك، انه امتطى جواده وصاح به اسرع الى تلك التي لم تكذب واكتفت بالبكاء الصامت . والناس الذين يوصفون بأنهم عاديون هو الأقرب الى الطبيعة باشجارها وغيومها وانهارها، يبكون حين يحزنون ويرقصون حين يفرحون لكنهم ابدا لا يكذبون، هؤلاء هم ابناء الحياة الحقيقيون الذين ننساهم احيانا في هذه الحفلة التنكرية، التي تغطي فيها اصوات الطبول الجوفاء على أنين النايات الشجيّ . لكنهم يفاجئوننا ونحن على وشك اليأس من وصول الرسالة الى المرسل اليه . حبذا لو يتنحى الثرثارون واصحاب الالسنة المصبوغة ومن تغطي وجوههم الاقنعة كي لا يحجبوا عنا هؤلاء !
(المصدر: الدستور 2016-08-03)