الفساد في العراق.. بين العِبادي والعُبيدي!
«القادم أسوأ».. هكذا «توَقَّع»، الناطق باسم ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، في معرض دعوته الى «حَلّ» السلطة التشريعية (البرلمان) كونها اصبحت غير مؤهلة للعمل. هنا والان.. انتقل الصراع المحتدم بين المكونات السياسية والحزبية المحمولة «كلها» ولا تستثني احداً، على أبعاد سياسية وحسابات طائفية ومذهبية وأخرى عابرة للحدود، الى مرحلة جديدة لم تكد تنتهي الى تسوية «ملغومة» منذ ان تم تطويق مسألة اطاحة رئيس البرلمان سليم الجبوري عبر سحب الثقة منه، حتى عادت الحملة على الاخير من باب الاتهامات بالفساد والتي سارع الى توجيهها له زميله في العمل «الاكاديمي» السابق، ومهندس الطيران وزير الدفاع والعضو في تحالف القوى الوطنية – خالد العبيدي (والسُّني المذهب تماما كما هي حال الجبوري السُّني, حيث فاز العبيدي عن قائمة «متحدون» بزعامة اسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق). لم يكن ايراد هذه التفاصيل, التي يُفترَض الاّ تكون جزءا من التحليل أو مادة في النقاش, لو ان المشهد العراقي في وضع سليم او ان سياسيه ونخبه لم «تغرق» كلها في لعبة المذهب والطائفة والعِرق, وتكريس لعبة الفساد الشامل الذي ينهض على قاعدة «حُكّ لي... كي احكّ لك»، على نحو لم يعد احد يُنكِر مأسسة الفساد وتمكنه من البروز والتداول اليومي في كل مناحي الحياة العراقية, بدءا بشراء المواقع والوظائف الأمنية والعسكرية من نافذين واصحاب قرار داخل تلك المواقع, وليس انتهاء باستيفاء العمولة والتربُّح من اي صفقات تجارية او عسكرية او غذائية او عطاءات بنى تحتية, على نحو تخجل منه اندونيسيا في عهد رئيسها الاسبق الاكثر فسادا سوهارتو وزوجته التي كانت تعرف بين الاندونيسيين بالسيدة نسبة مئوية (دع عنك فساد معظم الانظمة العربية, فهذا من باب المحرّمات والممنوع, رغم ان الجميع يشمّ رائحته ويعرف أرقامه). ما علينا.. خالد العبيدي، وقد «هاله» انه يجلس «مُسْتَجْوَباً» امام نواب الشعب (أيّاً كان رأينا فيهم)، وشعوراً منه بانه كان اولى بان يُصفّق له وتُعلَّق الاوسمة على صدره لكونه «قاد» عملية تحرير الفلوجة ويزور جبهات القتال المشتعلة في ضواحي الموصل وتخومها استعداداً لتحريرها من داعش، فَضّْل قَلْب الطاولة على خصومه, فراح يرشقهم بتهم الفساد ويُسميهم بالاسم وكان على رأسهم سليم الجبوري وخمسة نواب آخرين, كاشفاً النقاب انهم طالبوا بمبالغ مالية تصل الى مليوني دولار كرشوة مقابل «إغلاق» ملف استجوابه فضلا عما «قبضوه سابقاً من أموال عن صفقات استيراد اسلحة وتزويد قوات الجيش العراقي بالغذاء». لم تكن اتهامات العبيدي التي طاول «سهمها» الاول, سليم الجبوري رئيس البرلمان، مجرد زلة لسان او ضربة في الفراغ، بل كان الرجل يعرف «مقاصد» ما ذهب اليه, وكان ان تلقَّفها حيدر العِبادي رئيس الوزراء، الذي هو في وضع لا يُحسد عليه، حيث تنهال عليه الاتهامات بالفشل والدعوات الى الاستقالة، وغيرها من المناكفات التي يمكن ادراجها في خانة الكيد السياسي وتصفية الحسابات, وهي تطاله من جهات حليفة له او محسوبة عليه او في عداء وخصومة معه على حد سواء، لكن الرجل «صَمَدَ» حتى الان, ولا يبدو انه في صدد الاستقالة او الإستسلام، بعد ان مَنَحَته واشنطن دعماً مُعلناً وملحوظاً, يصعب على خصومه تجاهل الدعم الاميركي, أقلُّه في المرحلة الراهنة, التي لا يغامر المرء اذا ما وصفها بالمصيرية, بعد التطورات الاقليمية الاخيرة,سواء في ما خص تداعيات ال»لا» انقلاب تركي الذي يوظفه اردوغان للتنكيل وايذاء كل ما يخالفه الرأي حتى في اتحادات وفِرَق كرة القدم التركية والتي بدأت بتطهير الجيش والجامعات والمدارس والجوامع والوزارات, وكل ركن من اركان الدولة التي يريدها ان تكون مُطيعة له, كما كانت في عهد اجداده سلاطين بني عثمان حيث «يأمل» ان يستعيد ارثهم المجيد–في نظره – وخصوصاً في بلاد العرب, على ما قال واكد اكثر من مرة. العِبادي سارع الى «منع» رئيس البرلمان من السفر هو والنواب الخمسة الذين اتهم العبيدي بالفساد وطلب الرشوة، وهنا جُن جنون حلفاء الجبوري – وربما على قاعدة مذهبية وطائفية, اكثر مما هي ذات طابع سياسي وتنافس على المراكز والنفوذ – وبدأت موجة من التهديدات بكشف المستور, قادتها «النائبة» عالية نصيف، التي اكدت انها تمتلك وثائق تدين عضوا (مُعمّماً) من التحالف الوطني الذي ينتمي اليه العبيدي, والذي هو (المُعمّم) شريك لوزير الدفاع في صفقات الفساد. في السطر الأخير، أيّاً كان وصف ما حدث ويحدث في العراق الآن، وبأن ما جرى في البرلمان لا يعدو كونه مسرحية استعراضية, على ما قال تحالف القوى العراقية (السُّني... حتى لا ينسى أحد) فإن الصراع المحتدم الآن, بين اكبر مكونين (التحالف الوطني الحاكم، وتحالف القوى المُعارِض) مُرشَّح للتصاعد, وربما يُفضي الى تعطيل البرلمان مرة اخرى, بل قد ينتهي الى «الحل» والدعوة الى انتخابات مُبكِّرة، تبدو ظروف العراق الامنية والعسكرية والاجتماعية «غير مهيأة» لحدوثها, الامر الذي سيزيد من الازمة المتمادية, وربما يَبسط «الشلل» السلطوي نفسه, على نحو يستفيد منه «داعش» والذي هو «غير بعيد»، عمّا يجري على الصعيد السياسي والداخلي عموماً، رغم «التهديد» بتحرير الموصل وانهاء «دولته» التي بدأت تترنَّح بعد تحرير الفلوجة وأقضية وقصبات وبحيرة قريبة من «عاصمة الخلافة... الموصل.
(الرأي 2016-08-04)