حلب.. بين الحسم العسكري والحل السياسي !!
لا الرئيس اوباما اعتذر للشعب الياباني ، ولا رئيس الحكومة اليابانية شجب وادان اكبر جريمة في العصر ، والتي فشلت واشنطن في معالجة وتجميل وجه اليابان الذي احترق ، كما فشل الزمن في ازالة هذه الندبة الموجعة من وجه التاريخ.
بمناسبة مرور 71 عاما على القاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما ، واخرى على مدينة ناكازاكي ، اكتفى اليابانيون ، باحياء ذكرى ضحاياهم ، بالشموع والدموع والحزن واكاليل الورد والصمت ، وخطاب رسمي باهت تجنب ادانة جريمة ، والولايات المتحدة التي اصبحت حليفا. مع التذكير بأن الرئيس الاميركي زار هيروشيما وفيتنام في جولته الآسيوية الاخيرة ، دون أن يملك شجاعة الاعتذار للشعبين.
يبدو أن هذه الجريمة الكبرى التي ارتكبتها اميركا بحق الشعب الياباني والانسانية ، اضافة الى فظاعة الحرب في فيتنام ، بعدد ضحاياها وحجم بشاعتها ، وهولها ، طواها النسيان ، لأن عدد ضحايا الحروب التي اشعلتها ، ودعمتها ، الولايات المتحدة في البلاد العربية ، مع انتشار الفوضى والارهاب ، منذ احتلال العراق حتى هذه الساعة ، وأعني في ليبيا والعراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان والصومال ، بلغ اضعاف حجم الضحاياها نتيجة قصف هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية ، والحرب الاميركية الطويلة في فيتنام.
في وقت قريب مضى ، وقبل أن يكمل الرئيس اوباما خطابه الاتهامي للدورالروسي في معارك حلب ، والذي قال فيه ان الجيش السوري يخرق وقف اطلاق النار ، في تلك اللحظة بدأت الفصائل المسلحة هجومها الأكبر ( معركة حلب الكبرى ) في محاولة لاختراق الحصار ، اي فتح كورودور ( دفرسوار ) في جنوب المدينة لتوصيل الامداد والدعم لمسلحي التنظيمات الارهابية في المنطقة المحاصرة.
الحقيقة أن ما يحدث في حلب وحولها هو بمثابة سباق مع الوقت بين المتحاربين. هذا التصعيد المتسارع يهدف الى تحقيق انتصارات خاطفة ، وخلق واقع جديد على الارض ، قبل اللقاء بين الرئيس بوتين والرئيس التركي اردوغان ، وموعده يوم غد الثلاثاء ، لاعتقاد كل المعنيين باحتمال أن يتوصل الرئيسان الى اتفاق لاغلاق الحدود التركية السورية ، وهم يعرفون أن اغلاق الحدود يعني تجفيف منابع تسليح وتمويل وتدريب التنظيمات الارهابية في سوريا والعراق.
والحقيقة الثابتة الاخرى ، هو ان الولايات المتحدة تحارب داعش في ليبيا والعراق ، من أجل قطع الطريق امام التدخل الروسي في البلدين. في الوقت ذاته نرى ان الادارة الاميركية ترغب وتعلن عن نواياها في مشاركتها بالقتال ضد التنظيمات الارهابية في سوريا ، ولكنها غير جادة في قرارها ، فهي تساند وتدعم المسلحين في سوريا تحت عنوان دعم المعارضة المعتدلة ، لأن الثابت أن هدفها الاستراتيجي اسقاط النظام وتفكيك الدولة ، وترك البلاد مفتوحة أمام الفوضى والعنف والارهاب ، ومشروع التقسيم ، الذي يبدأ من حلب.
في معركة حلب ، استخدمت التنظيمات المسلحة المهاجمة الدبابات والمدافع الثقيلة وصواريخ « «تاو» ضد الدبابات والدروع ، واسلحة وذخائر اميركية تم ضبط بعضها في مناطق القتال في جنوب وشرق حلب ، وهذا لا يحتاج الى تفسير.
هذا الاندفاع المسلح غير المسبوق باتجاه مدينة حلب شاركت فيه مجموعات واسعة من تنظيمات مسلحة عديدة ، بحيث تمكن المسلحون من فتح جبهة على امتداد 20 كلم ، في محاولة لاختراق خطوط دفاع الجيش السوري والوصول الى المدينة واجتياحها ، وبعدها تقوم واشنطن بدورها السياسي ، من خلال ممارسة ضغوطها على موسكو ومجلس الامن لفرض هدنة مؤقتة تمنح الوقت والفرصة للتنظيمات المسلحة باعادة التاهيل والانتشار والتسليح لتثبيت مواقعها في المدينة وحولها ، وبالتالي الدعوة لمفاوضات عبثية تتعلق بالحل السياسي الذي تنادي به واشنطن ، ينتهي بالفشل ، لأن الهدف منه هو اضاعة المزيد من الوقت لادامة اشتعال الجبهات في كل سوريا.
(الرأي 2016-08-08)