عن الإخوان والانتخابات
بوسع أي أحد، ومنهم كاتب هذه السطور أن يبدي بعض الملاحظات على القوائم التي يجري الحديث عنها للإخوان في الانتخابات من حيث التكتيكات الانتخابية في هذه الدائرة أو تلك، وربما الاستراتيجية برمتها في سياق التعامل مع قانون غريب، تم تفصيله بعناية لاعتبارات إخراج برلمان مطيع، وبهامش تسييس محدود، وهو قانون لا يبتعد كثيرا من حيث جوهر أهدافه عن برلمان الصوت الواحد المجزوء. لكن ذلك كله لا يتعدى الحديث في الاجتهادات التي يصعب التشكيك بنوايا أصحابها، فمن يديرون المشهد إخوانيا يُبدون حرصا واضحا على اهتبال فرصة الانتخابات لإخراج الجماعة من عنق الزجاجة بعد ورطة ذات بُعدين؛ أحدهما يتعلق بإدارة غير موفقة للمشهد الداخلي (مساعي التحجيم أمر طبيعي، فما من سلطة تتصدق على معارضتها)، وآخر يتعلق بالمشهد الإقليمي الذي ألقى بظلاله على الحالة الإخوانية برمتها، بل ربما على حالة الإسلام السياسي بعموم تجلياتها. على أن الأكثر إثارة في المشهد هو انتقاد ما يمكن القول إنه “هجوم انتخابي” إخواني، عبر الحديث عن محاولة استئثار وما شابه، وممن؟ من ذات الأصوات هي التي ما برحت تتحدث عن أفول نجم الإخوان وانتهاء شعبيتهم، ولعمري، لماذا يخشى هؤلاء من جماعة “آفلة”، أم أن الأمر في الحالتين يأتي في سياق من التحريض؟! من الصعب الجزم بنتيجة الانتخابات، وقبل ذلك مستوى نزاهتها، وتبعا لذلك ما يمكن أن يحصده الإخوان من نتائج، لكن المهم في المشهد برمته، هو أن جزءا معتبرا من أهداف المشاركة الإخوانية في الانتخابات قد تحقق نسبيا، ممثلا في إعادة لملمة صفوف الجماعة على نحو ما، وإن بقيت خطوات أخرى في ذات الاتجاه ينبغي أن تتواصل بعد الانتخابات، وربما خلالها من أجل تجاوز مرحلة الانقسام برمتها، حتى لو بقي بعض من خرجوا في مربعاتهم الأخرى. من خلال القوائم التي يجري الحديث عنها؛ وفي سائر المحافظات، تؤكد الجماعة حضورها بين جميع الأطياف، كما أن وضع أسماء من غير الإخوان على رأس بعض القوائم كان خطوة جيدة لإثبات البعد الوطني الجامع في تفكير الجماعة. والنتيجة الأهم في هذا السياق هو تأكيد ما سبق أن قلناه مرارا هنا ممثلا في أن الجماعات الإنسانية ليست مصانع ولا شركات يجري نقل ملكيتها بقرار رسمي، وإنما هي تجمعات لها طرائقها في التجميع والحشد، وتقوم على التراضي، بل إن انشقاقا طوعيا قد ينجح أحيانا، كما حصل في انشقاق الشيخ رائد صلاح عن الحركة الأم في فلسطين المحتلة 48. في الحالة هنا، قد تأخذ التجارب الأخرى حضورا ما، الأمر الذي يعتمد على حيوية طروحاتها، ولكل مجتهد نصيب، أما الشعبية المصطنعة فهي لا تدوم، وقد رأينا في تجربة سابقة حزبا يحصل على مقاعد برلمانية، لكن الكل يعرف أن حضوره العملي في الشارع كان ولا يزال أكثر من محدود. في كل الأحوال، وبصرف النظر عن نتيجة الانتخابات التي يصعب التعويل عليها، فإن جعلها محطة لتجاوز الانقسام، وإعادة اللحمة للجماعة هو أمر بالغ الأهمية، إذ لا زال لدى الجماعة ما تقدمه لمصلحة الوطن والمواطن، مع الأمل بأن تكون الإدارة التالية أكثر حكمة من السابق، بحيث تنجح في تجاوز ما سبق من صراعات، وإيجاد أرضيات مشتركة للتفاهم، بما في ذلك الآليات القادرة على حل أية خلافات في المستقبل.
(الدستور 2016-08-09)