كفاكم تنكيلا بعقولنا !
من يأخذون على الكاتب العربي تردده او انسحابه الى الصمت او عودته من منتصف الطريق على الطريقة التي خاطب بها الشاعر احمد حجازي وحيد النقاش حين سأله : لماذا رجعنا جميعا وأوغلت انت ؟؟ عليه ان ينفض الغبار عن الملف المهجور ويقرأ صفحات من حياة هؤلاء الذين قرروا التغريد خارج السرب، او الذين لم يشربوا من نهر الجنون، فهم الان يتقلبون في قبورهم بانتظار قيامة عاجلة، فالعالم العربي حظي باعتراف اهم مثقفي العالم لكونه عاشقا للمبدعين شرط ان يموتوا، وهذا ما قاله شاعر انجليزي عشية رحيل السيّاب في يوم ممطر وفي جنازة مشى بها اربعة رجال فقط وحين شاهد نخيل البصرة الجنازة الفقيرة قرر ان يسعى ولم يتوقف حتى الان ، يومها كتب سعدي يوسف مودعا السياب قائلا له : ان عالمنا عالم القواد والسمسار والقرد المقامر، اوقف الحضارة عامين حتى مات شاعر ! ما من وطن في هذا الكوكب نكّل بأعز الابناء كما فعل وطن العرب الذي تحوّل الى منفى لفرط اغتراب ابنائه على ارضه ! ومن لم يقرأوا تاريخ التعذيب في تاريخنا عليهم ان يلوذوا بالصمت عندما نثير هذا الشجن، فأقسى تعذيب عرفته اوروبا هو ما قدمه ميشيل فوكو عن تعذيب المسيو دميان، لكن ما لدينا يبقى الامثولة في هذا السياق الاسود . كيف نكتب باصابع مرتعشة ؟ وقشعريرة الهلع تسري في نُخاعنا ؟ ان تاريخا ممهورا بالوشاية والنميمة وفقه الاستعداء والتقويل كان لا بد له ان يفرز مثل هذا التخلف الذي لم يبق ولم يذر غير محاصيل الشقاء وثالوث الفقر والجهل والمرض ! وهذه مناسبة أخرى لتذكير ضحايا الزهايمر السياسي بأن العلماء العرب الذين نبغوا خارج هذه الجغرافيا نحاول ادعاءهم واختطافهم من التوابيت وننسبهم الى ثقافتنا وهم في الحقيقة ابناء امهات لم يلدنهم !!
(الدستور 2016-08-16)