تغيير السياق!

تم نشره الثلاثاء 16 آب / أغسطس 2016 12:23 صباحاً
تغيير السياق!
محمد أبو رمان

تقع الانتخابات النيابية المقبلة في إطار لحظة تاريخية دقيقة؛ إقليمياً وأردنياً. ومن الضروري أن تتأسس رؤية كلّ من صنّاع القرار والنخبة السياسية لها على هذا الأساس.

إقليمياً؛ الانتخابات تأتي في سياق يتجاوز الفوضى الإقليمية المحيطة، في كل من العراق وسورية في الجوار، واليمن وليبيا عربياً، إلى مفهوم أوسع وأكثر خطورة من ذلك بكثير، ويتمثّل في الأزمة المتدحرجة للدولة الوطنية العربية. وربما أكثر السيناريوهات تفاؤلاً لا تتوقع أن تبقى هذه الدول على حالها.

المسألة ليست فقط "سايكس-بيكو2"، فذلك أهون الأضرار، مقارنة بالانقسامات الداخلية والأزمات العاصفة، سياسياً واقتصادياً وأمنياً. فلا تقف القصة عند الحدود السياسية، بل الإنسانية والأخلاقية والمجتمعية والثقافية. وليس الأمن القومي العربي فقط هو المهدد، ولا الأمن الوطني للدول وحده، بل الأمن الإنساني نفسه يواجه تحدياً جوهرياً؛ من الفرد إلى الأسرة فالمجتمع والدولة!

الأردن نجح في تجنب رياح عاتية، والإبحار وسط أمواج مضطربة؛ ذلك صحيح. لكنّ الضباب لم ينقشع بعد، والتحدي لم يزل، فما تزال اللحظة التاريخية في المنطقة تؤذن بأنّنا، عربياً وإقليمياً، أمام مرحلة جديدة مختلفة بالكلية عن المرحلة السابقة، أيّ إنّ "الربيع العربي" وما تلاه، منذ العام 2011، لم يكن "غمامة صيف عابرة"، بل نحن أمام مرحلة جديدة عنوانها "انهيار الدولة الوطنية" في العالم العربي، والفوضى الإقليمية والداخلية، وصعود المليشيات عابرة الأوطان.

هذه الوقائع من المفترض أن نأخذها بالاعتبار ونحن نفكّر في الانتخابات المقبلة، كي تكون فرصة تاريخية مهمة للتأكيد على شرعية العملية السياسية والديمقراطية بوصفها جدار الأمان ضد الاحتقانات وخيبات الأمل، ولتعزيز قنوات التواصل والتعبير وإصلاح البيت الداخلي، عبر الأساليب الصحيحة والشرعية والعقلانية.

في الأثناء، من المفترض أن نتجاوز حالة الإنكار ونعترف بكمّ كبير من الأمراض والأخطار أو التحديات الداخلية؛ هناك أزمة اقتصادية خانقة، مصحوبة بفجوة طبقية كبيرة، وارتفاع في الأسعار، وضغوط شديدة على الطبقة الوسطى.

لهذه الأزمة تداعيات اجتماعية وثقافية وأمنية خطيرة جداً، منها انتشار لأفكار "داعش" والتطرف الديني، أو المخدرات والانحراف الأخلاقي، وتفكك السلطة الأخلاقية المجتمعية، لنواجه تحولات وظواهر اجتماعية جديدة غير مألوفة بهذه الصورة سابقاً.

كل ذلك مصحوب بتجذّر واضح للأزمة المتفاقمة في مصداقية كثير من مؤسسات الدولة لدى الرأي العام، وهي قضية بدأت مراكز القرار بإدراكها مؤخراً. وكذلك في نمو العنف الرمزي والمعنوي في السجالات والجدالات الداخلية المرتبطة بالهوية والدين، ما يمكن أن نلاحظه بوضوح في النقاشات الخطيرة في عالم "السوشال ميديا" عن توقيف أمجد قورشة سابقاً، ثم ناهض حتر لاحقاً، وقبل ذلك حادثة وفاة الشاب شادي أبو جابر.

لا أنكر أنني شخصياً أصاب بالهلع والصدمة، عندما أقرأ مستوى النقاش حول القضايا السابقة، الذي انزلق إلى مرحلة أكثر من خطيرة وجديّة. والمسألة تتجاوز فقط إقرار قانون لتجريم العنصرية والطائفية، بل تحتاج أكثر من ذلك إلى مراجعة شاملة جذرية لإيجاد "نقطة تحول" حقيقية، تنقلنا من هذا السياق المرضي المترتب على ما يحدث في المنطقة من أهوال، والمستسلم لخيوط الإحباط واليأس والشكوك الداخلية والأزمات، وكل ذلك يخلق "طاقة سلبية" عامة في المجتمع، إلى سياق آخر مختلف تماماً يقوم على الإصلاح والشباب والتجديد وتعزيز الديمقراطية وتقديم النموذج البديل لما يحدث في المنطقة العربية ولتلك الخطابات المأزومة في الداخل.

هل هناك من يقرع الجرس، ويفكّر خارج الصندوق ويرى الانتخابات المقبلة من هذا المنظور؛ فرصة لإيجاد نقطة تحول وتغيير السياق؟

(الغد 2016-08-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات