كم امريكا في امريكا ؟؟
سئل الكاتب الامريكي هنري ميلر ذات يوم عن سبب هجائه المتكرر لأمريكا فأجاب قائلا لأنه يحبها، وهو امريكي جدا، وتكرر هذا السؤال مع عدد آخر من الفنانين والمثقفين وكانت الاجابة ذاتها، حتى جيري روبين الذي قاد جماعة اليبيز خلال الحرب الفيتنامية وكان يكتب اسم امريكا بحروف تثير السخرية، فعل ذلك على سبيل النقد الذاتي . وما نسمعه في هذه الايام من اتهام احد مرشحي الرئاسة الامريكية للرئيس اوباما ووزيرة الخارجية السابقة والمرشح الرئاسي ايضا هلاري كلينتون بأنهما انتجا هذه الجماعات الارهابية لا يعني ان هناك اكثر من امريكا في امريكا، فالتعددية تبقى ضمن اطار الولايات المتحدة، ولكي نفهم ذلك لا بد من وجود ثقافة ميدانية حول الديمقراطية بشرّها وخيرها ان كانت بالفعل شرا لا بد منه كما وصفها تشرتشل ! ان فهم ما يسمى النقد الذاتي في سياقه لا يتيح لأحد استثمار ما يقال عن سلبيات ادارة او بلد، وهذا ايضا هو الفارق بين معارضات وطنية وأخرى لا مانع لديها ان تصل الى الحكم على دبابات الغُزاة ! ان السؤال عن التعددية في بلد ما لا يعني ان الاوطان هي التي تتعدد، فامريكا الجمهوريين هي امريكا الديمقراطيين ورغم التنافس المحموم بين الحمار والفيل الا انهما في النهاية يجران العربة ذاتها ! وما قاله هنري ميلر يثير شجونا عربية لا آخر لها، لأن هناك من العرب من ينتقدون بشكل مرير ولاذع بلدانهم، ويُساء فهمهم ويتهمون بالعقوق وهم في الحقيقة يفعلون ذلك حبا وليس كراهية او انتقاما، ولأنهم يحلمون بما هو أفضل وأبهى ! ان العرض الجانبي الوحيد للنقد الذاتي هو استثماره اعلاميا من الخصوم، وقد يكون هذا احد اسباب نُدرته في عالمنا العربي !!
(الدستور 2016-08-17)