أقبية الأسد!
بالرغم مما فيه من أرقام ووقائع وروايات مرعبة يقشعر لها البدن وتشيب منها الرؤوس، إلا أنّ أي متابع ومطلّع على تاريخ النظام السوري وطبيعته وطريقته في التعامل مع المعارضة، سيجد ما في هذا التقرير مجرد تكرار لما هو معروف، أو شيء محدّد من حقيقة ما يواجهه عشرات الآلاف من المعتقلين والمسجونين في سورية.
ما نتحدث عنه هو تقرير منظمة "العفو الدولية" الأخير عن السجون في سورية، والذي أشار إلى أنّ هناك 18 ألف معتقل قضوا تحت التعذيب. وهو رقم -كما يعترف التقرير- أقل بكثير من الرقم الحقيقي المتوقع؛ إذ هناك قرابة 200 ألف معتقل ومفقود في سجون النظام منذ اندلاع الثورة السورية!
ما يؤلمني حقّاً أنّ هؤلاء القتلى والمفقودين والمعتقلين الذين يذوقون ألوان العذاب والتنكيل ثم القتل على يد النظام في السجون، هؤلاء المائتي ألف هم غير موجودين ولا مرئيين، هم منسيون تماماً من قبل العالم الذي يستيقظ ضميره فزعاً على ما حدث مع قتل طفل في حلب على يد المعارضة (وهو أمر شائن بالتأكيد) أو على عدد من الأشخاص يذبحهم تنظيم "داعش" (وهو إرهاب وإجرام وبربرية بالضرورة).
في المقابل، لا أحد يفكّر في هذا العدد الهائل من المعتقلين الذين يقبعون في سجون الأسد، من دون أدنى معايير قانونية ورقابية، بل وحتى خارج الظروف الإنسانية الآدمية، هؤلاء من يُقتلون تحت التعذيب أو من يموتون ببطء، ومن يُقتلون كل يوم عشرات المرّات. هؤلاء لو كانت حيوانات مكانهم (عذراً على الصراحة!) لضجّ العالم الغربي غضباً وألماً على حقوقهم!
أيّدوا النظام السوري إن شئتم، اعتبروا ما يتعرّض له مؤامرة كونية، اعتبروه خطّ الدفاع عن القومية والعروبة وفلسطين، ورمز وحدة الأراضي السورية، صنّفوا المعارضة بأيّ أوصاف أردتم، وأنّ الأسد حامي العلمانية والحرية والمدنية! لكن فقط طالبوا "الرفيق" أن يرفق بعشرات الآلاف من المعتقلين، أن يعاملوا فقط كبشر؛ ألا تتم إبادتهم في داخل السجون، أو على الأقل أن يتم قتلهم فوراً برحمةٍ بدلاً من هذا التعذيب اليومي المرير!
لا أبالغ بالقول إن من يستمع أو يقرأ شهادات من خرجوا من سجون الأسد سيكتشف أنّ هناك عالماً "إبداعياً"، لا يكاد يصل إليه الخيال في استراتيجيات التعذيب وأدواته وطرقه!
في صورة -مما نقله التقرير الأخير لمنظمة "العفو الدولية"- أنّ المعتقلين أثناء التحقيق معهم في فروع المخابرات، يتعرضون لشتى أنواع التعذيب، من بينها الصعق بالصدمات الكهربائية ونزع أظافر الأيدي والأرجل والسلق بالمياه الساخنة.
ويروي أحد المعتقلين سابقا في أحد فروع المخابرات العسكرية في دمشق، كيف أن سبعة أشخاص توفوا خنقا في إحدى المرات حين توقفت أجهزة التهوية عن العمل. فيما يروي أحد السجناء كيف أن "أحد الحراس أجبر اثنين من المعتقلين على خلع ملابسهما، وأمر أحدهما باغتصاب الآخر، وهدده بالموت إن لم يفعل".
وتروي بعض المعتقلات -بحسب التقرير أيضا- ما تعرضن له من اغتصاب واعتداء جنسي، هذا فضلا عما يعانيه المعتقلون أيضا من "الاكتظاظ ونقص الطعام والرعاية الطبية".
أعلم تماماً أنّ هناك من يشكّك في هذه التقارير وفي قصص التعذيب المرعبة في أقبية الأسد، لكنّ ما أطلبه منهم أن يتحرّوا ويتحققوا من آلاف الشهادات والصور، وتكفي هنا شهادات مثقفين مثل سلامة كيلة، ممن اعتقلوا وتعذّبوا هناك!
(الغد 2016-08-19)