واشنطن ترد في الشمالين .. السوري والعراقي !
المتابعون باهتمام وباستمرار التطورات المصيرية التاريخية في شمال سوريا يلاحظون حركة التغيير المتسارعة في تشكيل التحالفات ، وخصوصا على المحور الروسي التركي الايراني السوري ، الا ان الاستدارة التركية الجديدة « التكويعة التركية « التي تتم بالتقسيط ، تحتاج الى بعض الوقت لاكتمالها ، من أجل أن تكون استدارة الحكومة التركية مبررة ، ومقنعة للشعبين التركي والسوري معا ، لأن سجل سوابق سياسة انقرة في سوريا طافح بالعداء التراكمي ، حتى تحول الى قضية عناد ذاتي ، وعداء شخصي للنظام السوري وقيادته ، لدرجة أن الرئيس اردوغان ، وبسبب احلامه واوهامه ، منح لنفسه الحق بالحديث ، في وقت قريب مضى ، عن شكل الحكم المستقبلي في دمشق ، وحتى التدخل في اعادة صياغة مستقبل الشعب السوري ، وكأن سوريا تحولت الى ولاية في الامبراطورية العثمانية .
في البداية ، فتحت تركيا اراضيها لمعسكرات تدريب مقاتلي التنظيمات المسلحة الارهابية العاملة في داخل الاراضي السورية ، وبلغ عددهم حوالي 360 ألف متطوع ينتمون الى 93جنسية . كذلك فتحت حدودها امام تسريب المقاتلين ، وتهريب الاسلحة والاموال لهذه التنظيمات منذ بداية الحرب الداخلية حتى ايام قليلة مضت ، وبالتحديد ، بعد اشتعال النيران في قلب تركيا واطرافها ، اضافة الى الحدث الأهم وهو وقوع الانقلاب العسكري الذي فشل ، بعدما هز تركيا وادخل قيادة اردوغان في صدمة طويلة ، انعكست نتائجها على التحالفات الدولية والاقليمية ، والحرب في سوريا .
عندما استيقظ الرئيس اردوغان وحكومته وحزبه الحاكم من الغفوة ( الصدمة ) ، وجدوا ما لا يسر الخاطر ، حيث حقق المسلحون الاكراد تقدما كبيرا في الشمال السوري ، بدعم عسكري اميركي وبريطاني وفرنسي . ولاحظت حكومة انقرة أن العملية العسكرية الكردية ، المتمثلة باجتياح منبج والهجوم الشامل على القوات السورية المتواجدة في الحسكة ، تجاوزت اهدافها المعلنة ، وتعدت حدود محاربة داعش ، وأن هذه القوى المحلية والدولية تعمل على رسم حدود اقليم كردي متصل جغرافيا في شمال سوريا .
ما أقلق تركيا اكثر ، هو لجوء واشنطن الى لعب ورقة الاكراد في المنطقة ، خصوصا بعد التصريحات الرسمية الاميركية بشأن تعزيز القوات الاميركية في قاعدة الرميلان السورية ، اضافة الى تحليق الطائرات الحربية الاميركية في اجواء الحسكة لحماية الاكراد ، ومنع الطائرات السورية من القيام بواجبها الحربي في اجواء المنطقة ، بحجة الدفاع عن النفس ، وحماية جنود المارينز العاملين مع القوات الكردية تحت عنوان ( مستشارون عسكريون ) .
هذا الدور الاميركي يذكرنا بعملية خليج تونكين ،عندما تم تسريب خبر ملفق كاذب يفيد ان قوارب فيتنامية شمالية هاجمت سفينة اميركية في الخليج الفيتنامي واغرقتها ، وهو الخبر الذي دفع الكونغرس الى تخويل الرئيس ليندون جونسون ارسال قوات اميركية كبيرة الى فيتنام ، واشعال الحرب الطويلة المدمرة ، التي عرفنا كيف بدات ومتى وكيف انتهت . وما نخشاه اليوم ، او في وقت لاحق ، هو أن تقوم الادارة الاميركية بارسال قوات المارينز الى الشمال السوري بالتقسيط من اجل تنفيذ مشروع التقسيم ، الذي فشلت التنظيمات الارهابية المدعومة اقليميا ودوليا في تحقيقه عبر محاولة اجتياح حلب التي باءت بالهزيمة والفشل .
والمقلق أكثر أن الاعلان عن القرار الاميركي بتعزيز القوات العسكرية المتواجدة في الشمال السوري ، جاء بالتزامن مع التمدد الكردي في شمالي العراق وسوريا ، وجاء عقب تصريحات مسعود البرزاني بعدم الانسحاب من المساحات الجديدة التي تمركزت فيها قوات البشمركة الكردية ، والتي اصبحت قريبة من الموصل ، مع ضرورة التذكير بان البرزاني اعلن ضرورة الانفصال عن العراق ، يعني اعلان قيام الدولة الكردية المستقلة .
اعتقد ان هذه التطورات ، التي تحدث بقرار اميركي ، تحمل رسائل واضحة الى موسكو وانقرة ، وهي الرد الأميركي العملي ضد التنسيق الروسي التركي في المنطقة ، كما هي رسالة الى التحالف الروسي الايراني السوري . وربما فهمت موسكو فحوى الرسالة فقامت سفنها بالبحر المتوسط بالرد عبر اطلاق صواريخ « كاليبر « المجنة بعيدة المدى ( 2600 كلم ) ، والمزودة بحشوة شديدة الانفجار زنة نصف طن ، كما انها معدة لحمل رؤوس نووية ، وجاهزة لضرب اهداف بحرية وبرية .
هذه التطورات مرعبة ومخيفة ، وهي في تصاعد متواصل ، ولكن هذا الصراع بين القوى الكبرى في سوريا وعليها ، لا يشكل حربا عقائدية ، بل هو صراع حول المصالح ، لذلك من الممكن أن يكون التصعيد الذي اشتد هو في نهايته ، ومن اجل انفراج الازمة واللجوء الى الحل السياسي في نهاية الدرب ، كما تنتهي كل الحروب .
(الرأي 2016-08-22)