الجولان السوري المحتل بين الحقيقة والتزييف
القضية التي تم تزييف كل تفاصيلها بشكل متعمد من قبل إسرائيل والنظام السوري والأمم المتحدة، فبعد احتلال الجزء الأكبر منه عام 1967، قامت إسرائيل بطرد السكان البالغ عددهم حينها حوالي 140 ألفاً، وذلك باستثناء خمس قرى للدروز في جبل الشيخ عدد سكانها اليوم 15 ألفاً، وتم هدم القرى وتسويتها بالأرض وإزالة أنقاضها لاستخدامها في تحصين المعسكرات وإزالة معالمها لإنكار وجودها، والقرى والمدن والبلدات التي تم تدميرها تزيد عن ستمائة، وكان هذا التزوير الأول لإقناع العالم أن هذه الأرض بلا سكان.
وكذلك عمدت إسرائيل إلى تغيير متعمد في خريطة الحدود السورية - الفلسطينية التي خلفها الانتداب تحسباً لحالة اضطرارها للانسحاب من الجولان، فضمت جزءاً كبيراً من الجولان شمال الحولة وكتف الجليل حتى الحدود اللبنانية لخريطة فلسطين المحتلة، وكذلك جزء كبير من سهل البطيحة شمال بحيرة طبريا، وكذلك جنوبها حتى مدينة سمخ، حيث إن هذه الحدود هي امتداد نهر الأردن جنوباً.
وفي عام 1974 جرى عقد اتفاقية الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، والتي أقامت منطقة منزوعة السلاح (محرمة) بين الخطين الوهميين للهدنة، وهي منطقة حكمها المزاج الإسرائيلي، فهي عميقة في مناطق وقليلة العمق في أخرى حسب حاجة أمن الاحتلال،
وهنا أيضاً جرى تزوير آخر، فلقد تعاملت الأمم المتحدة بنكران كل حقوق السوريين في أرضهم وعملت على تثبيت الواقع الذي صنعته إسرائيل بالقوة، فلم يسمح لأي سوري بالدخول إلى أرضه أو زيارتها، وهو الدور الحقيقي للمنظمة في الجولان منذ اتفاقية الفصل عام 73 التي تلتها اتفاقية الهدنة عام 74 وحتى قيام الثورة السورية عام 2011.
أما التزوير الثالث -وهو الأخطر- فهو الذي قام به النظام السوري وعزّزه بإجراءاته الدائمة، فعمل على تجهيل أبناء الجولان بوطنهم وحجب المعرفة عن الجولان بشكل ممنهج، وصوَّر للشعب السوري من خلال وسائل إعلامه أن الجولان هي قرى الدروز الخمس (عين التينة ومجدل شمس وبقعاتا وعين قنية وبانياس) ودأبت وسائل إعلامه وتلفزيونه على إقناع السوريين من خلال التضليل الإعلامي الممنهج أن كل أبناء الجولان من الدروز فلا صوت ولا ذكر لغيرهم في الإعلام الرسمي، ووقتها لم يكن هناك إعلام سواه، حتى ترسخت الفكرة لدى السوريين خاصة والعرب عامة أن الجولان ليس فيه سوى طائفة الموحدين الدروز، (وهنا أتحدث عن تحقيق الحقائق بعيداً عن الطائفية فبالنهاية الجميع سوريون لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات).
هذا علما أن تعداد سكان الجولان اليوم في تجمعات النزوح والمهجر يزيد عن مليونين، منهم نسبة ضئيلة من الشركس تتركز في عدة قرى ونسبة من التركمان أيضاً في عدة قرى ونسبة من المسيحيين في مدينة خسفين ونسبة من الدروز، وجميع هذه الطوائف لا تشكل أكثر من واحد ونصف إلى حد أقصى لا يتجاوز 2 في المائة من مجموع سكان الجولان و98 بالمائة هم من العرب السنة من العشائر ومن الحضر.
وكذلك منع النظام السوري أبناء الجولان حتى من زيارة أهلهم في المناطق الأمامية إلا بتصريح رسمي من المخابرات يحصل عليه من لديه صلة بالسلطة أو حجة قوية ويحتاج ربما شهراً للصدور وللتحقق من نوايا صاحبه وصلاحيته لا تتعدى ثلاثة أيام، وتم إخفاء كل حقائق الجولان وأولها الموارد والمساحة البالغة أكثر من ألفي كيلومتر مربع المحتل منها حوالي 1700 كيلومتر مربع قبل تزوير الحدود الذي قامت به إسرائيل.
ويحد الجولان من الشمال لبنان ومن الغرب نهر الأردن (الشريعة) وكتف الجليل بين الجولان وفلسطين المحتلة، وبحيرتا الحولة التي جففها الاحتلال وطبريا، ثم امتداداً إلى ما بعد سمخ ووادي الدلهمية جنوباً، وهو امتداد نهر الأردن حتى البحر الميت، وخريطة الجولان موضحة بشكل مفصل في كتاب الجولان للباحث والمهندس الألماني غوتليب شوماخر. في العام 1888 أي قبل قيام إسرائيل بحوالي ستين عاماً، ويحد الجولان جنوباً الأردن، وشرقاً محافظتا درعا ودمشق.
أما تاريخياً فيحوي الجولان كمًّا هائلاً من الأوابد والكنوز الأثرية، فهناك عدد من القلاع التاريخية منها قلعة الحصن سوسيتا وقلعة الصبيبة التي بناها الأيوبيون، وكذلك قلعة دير قروح وقلعة بانياس، والحمة بمنتجعها وحمامها الروماني، وهي المنطقة ذات الينابيع الحارة العلاجية الغنية بعنصر الراديوم المشع ذي الخواص العلاجية، وينابيع أخرى غنية بالمياه الكبريتية الحارة، حيث هناك عدة ينابيع كل نبع يمتاز بعلاج أمراض مختلفة عن الآخر بحسب خواصه الكيميائية.
وكذلك مواقع أثرية كثيرة مثل بلدة بيت صيدا شمال طبريا ومعبد أم القناطر الأثري والمجمع الكنسي لكرسي السيد المسيح في بلدة الكرسي الجولانية، وكذلك موقع تل القاضي (دان) الذي سعت إسرائيل لإدارجه على قائمة التراث العالمي باسمها، ورفض طلبها لكونها أرضاً محتلة، كما عمدت لتزوير الكثير من حقائق آثار الجولان.
أما عن المياه، فإن الجولان يحتوي على 17 بالمائة من مياه سورية التي تستفيد منها إسرائيل حيث يحتوي الجولان على عشرات الأنهار الصغيرة والكبيرة، ومنها الوزاني والشريعة ونهر القاضي ونهر بانياس والحاصباني، الذي ينبع من الأراضي اللبنانية، وأكثر من مائة وخمسين ينبوعاً كبيراً، مثل ينابيع جليبينة والسلوقية وطواحينها القديمة، وأكثر من مائة وادٍ غني بالأدغال والمحميات الطبيعية التي تحتوي جميع أنواع الحيوانات البرية والطيور، وكذلك حوالي مائتين من التلال، منها عشرات التلال الشهيرة كتل الفرس والجابية والقاضي والجوخدار.
ومن البحيرات هناك عشرات البحيرات الصغيرة، أما البحيرات المتوسطة فهي بحيرة خسفين وبحيرة واسط وبحيرة الشعبانية وبحيرة البطمية وبحيرة شنير وبحيرة تل العرام وبحيرة سد الخشنية وبحيرة تنورية وبحيرة الياقوصة وبحيرة سمخ وبحيرة الرفاعية والكبرى وبحيرة الحولة وبحيرة طبريا بين الجولان وفلسطين المحتلة.
والجولان ذو طبيعة خضراء في معظمه تكسوه الغابات والأشجار من شماله إلى جنوبه، وفيه عدد كبير جداً من المتنزهات مثل منتجع جبل الشيخ للتزلج على الجليد ومنتجع قرحتا للتخييم والرحلات وفنادق مثل كفر عاقب، ومنتزهات لركوب الخيل والسيارات والسياحة والسباحة وأعلى منتزه في الشرق الأوسط مقهى الغيوم على ارتفاع 1170 متراً عن سطح البحر فوق تل العرام وسط الجولان، وأعلى قمة في الشرق الأوسط على ارتفاع 2814 متراً عن سطح البحر قمة جبل الشيخ، وأخفض نقطة على سطح الأرض التي هي 0 عن سطح البحر -بحيرة طبريا- ولذلك خلال ساعة واحدة تنتقل في جميع الفصول في الجولان.
والجولان أرض غنية بالزراعة، فسهل البطيحة ينتج الموز والتمور والمانجو بكميات ضخمة تصدرها إسرائيل وجميع أنواع الفواكه والحبوب والأشجار الحراجية.
وجنوب الجولان غني بالبترول بكميات تجارية ضخمة وقد بدأت الشركات الإسرائيلية إنتاجه فعلاً، وكذلك المعادن، حيث يوجد في الجولان أماكن ذات طبيعة معدنية لا تعمل فيها البوصلة وهناك تقارير تتحدث عن استخراج اليورانيوم الطبيعي من تل الفرس في الجولان، وهو التل الذي أزال الاحتلال نصفه الجنوبي تقريباً منذ عام 70 وحتى اليوم ولا تزال عمليات الحفر فيه ونقل تربته جارية حتى الآن.
كل هذا التزوير تشاركت به إسرائيل والأمم المتحدة ونظام الاستبداد السوري، على مدى عقود، حتى تم تجهيل جيل كامل من الجولانيين والسوريين والعرب بحقيقة بلادهم ومدى أهمية الجولان لسورية والعرب.