هوية الحال أم هوية الأحوال؟
من أول يوم أبصرنا فيه النور في هذا البلد كُتب الى جانب اسمائنا واسماء ابائنا وأمهاتنا وأجدادنا وعائلاتنا، عرفنا أنفسنا بهذه الأبعاد الشخصية والعائلية وعرفنا أنفسنا به أيضا ألا وهو ديننا الذي لم تخلُ منه أي هوية او وثيقة تعريفية رسمية ومهمة حتى أصبح مكونا أساسيا من مكونات الشخصية وتعريف الناس بنا والأمر ليس حكرا على دين واحد او دين الأغلبية وانما شامل للدينين الذين يدين بهما المواطنون الأردنيون: الاسلام والمسيحية فلا مجال للاقصاء او التمييز والدلالة على ذلك ما شهده الأردن عبر سنوات من التناغم الديني الذي انخرط في النسيج الاجتماعي والوطني ضمن مبدأ الأخوة في الوطن.
لم يشهد المجتمع الأردني كغيره اهتزازات او مشاكل تدعوه لإعادة النظر في مكونات الهوية الأردنية فالدستور الأردني واضح في تقرير ان الاسلام هو دين الدولة واما المجتمع فيسير بالقانون الشرعي والمدني، وللمساجد والكنائس روادهما ولا أحد يجبر على اعتناق او التزام سلوك ديني معين ما دام لا يظهر جهرا او تطاولا متعمدا بالعصيان او الاستهزاء.
ولقد ظل هذا الوضع من الاستقرار في بنية المجتمع حتى بدأت تجتاحه اصوات واقلام ومشاريع داخلية وخارجية تنادي بعلمنة الدولة وفصل الدين عنها وقصره على الهامش العِبادي وبدأت الاجراءات تتسارع لإيجاد تيار ينادي بهذه الطروحات مدعوما ببعض الاجراءات الحكومية التي قد يظنها البعض بسيطة غير ذات أهمية ومنها ازالة خانة الدين من هوية الأحوال المدنية! والتبرير بأن هذا طلب من الجهة المانحة لتمويل البطاقات الذكية غير مقبول البتة فلا شيء يجبرنا على قبول ما يطالب بتغيير معالم شخصيتنا التي يعتبر الدين جزءا منها!
ثم توالت الاجراءات في المناهج المدرسية فكان هناك تغيير واضح في الصور المرافقة في الكتب المدرسية واختفت المرأة المحجبة من صور الأم والأخت والمواطنة وكأنها ليست من مكونات الشعب الأردني!
وتزامن هذا كله مع كتابات متتابعة تشيطن المؤسسات الدينية والاجتماعية صاحبة التاريخ العريق والانجاز الممتد في البلد، وكتابات تزيف التاريخ والاصالة الأردنية فتقول ان الحجاب وملحقاته دخيل على المجتمع الأردني وان جداتنا كن يخرجن بجدائلهن!
ثم خرج الأمر علنا بصورة فجة لا تقبل التأويل او حسن الظن في الشعارات السياسية المرافقة للحملة الانتخابية لمجلس النواب التي قدمت صراحة مبادئ هذا التيار العلماني في فصل الدين عن السياسة وبالتالي عن مواقع صنع القرار والتأثير بحيث ينحصر في زاوية الجامع وحتى هذا يخضع للتحديد في تأثيره وانتشاره او في زواية البيت ولا من شاف ولا من درى واذا خرجت من بيتك فستصبح في يوم ما مستهدفا في شكلك وملابسك ومعاملاتك وكله بالقانون الذي سنه العلمانيون بوصولهم الى السلطة التشريعية!
هذا غيض من فيض من الاجراءات الظاهرة والباطنة لعلمنة المجتمع الاردني، وتغيير هويته التي يُعتبر الدين جزءا اساسيا منها، ولذا فكل الاستحقاقات القادمة هي استفتاء على هوية المجتمع الأردني، ومن يمثله من تيار المواطنة الاصيلة المتناغمة مع نبض الشارع المتدين بالفطرة او تيار العلمنة الذي يريد ان يغير وجه البلاد ودين العباد!
بإمكاننا ان يكون لنا صوت ونقول لهم الدين من فطرتنا واحوالنا الطبيعية ولو زال من الهوية اما اذا سكتنا فسنحسب على المؤيدين لإجراءات التغيير في كل ميدان!
(السبيل 2016-08-30)