الكراهية الدموية بين السنة والشيعة
من المؤلم جدا، ان ترتفع حدة الكراهية المذهبية الى هذه الدرجة، والذي يحلل ردود الفعل الشعبية، حصرا، وليست تلك الرسمية، يكتشف ان التنديد مرتبط بمذهب القتيل فقط. اذا وقع تفجير في كربلاء حيث اهل العراق الشيعة، او هناك ضيوف من الشيعة العرب، او الاجانب، يسكت اغلبنا، لان القتلى هناك، من الشيعة، ولأن المشهد اختطف الوعي العام الى فكرة الرد والرد المتبادل، فلم يعد الامر يستحق التنديد، فالقتيل شيعي، والعقل الباطني، يؤرشف صور القتلى في الانبار من العراقيين السنة، ولا بد من توازن نفسي وثأري، فتبدو جريمة كربلاء، تصفية حساب مقبولة ومباركة. اذا وقع تفجير في اي منطقة سنية في العراق او سوريا، او اجتاحت القوات العسكرية هنا او هناك منطقة او مدينة، مثل حلب او داريا، او تكريت العراقية، او اي منطقة، ووقع قتلى وجرحى، وتم هدم البيوت، في هذه المناطق التي يسكنها السنة من السوريين او العراقيين، فإن صوت التنديد من العرب الشيعة ينخفض، باعتبار ان هؤلاء سنة، وفي مرات، يتم تبني ذات نظرية الثأر، وليمت منهم، مثلما مات منا، فهذا هو الشعار، ولا بأس من تزيينه، باتهامهم انهم يدعمون الدواعش، فالانسان فينا، ذو وجهين. الخلاصة المشتركة، ان العرب والمسلمين، يموتون من كل الاتجاهات، كل المذاهب، فالمنطقة تنتحر، والذي يحتفل بقتل الشيعة، عليه ان ينتظر الدور ايضا، والذي يحتفل بقتل السنة، عليه ان ينتظر الدور ايضا، فصراع الدول والمحاور والتنظيمات والفتاوى، والاجهزة الامنية، سيديم هذا الحريق الف عام اضافية. لماذا يتراجع الصوت العاقل، المندد بذبح المدنيين والابرياء، من كل الجهات، وقد اصبح صعبا، ان تخرج كعربي شيعي وتندد بقتل السنة، وستجد الف صوت يقف في وجهك، ويهينك على خيانتك للمذهب، والامر ذاته ينطبق على السنة، فلو نددت بقتل الشيعة العرب لقيل لك، إن هؤلاء كفرة، ويقتلون اولادنا، ويشتمون الصحابة؛ حلال دمهم، ويصح قتلهم؟!. تكشف تحليلات الصور والتعليقات، أن العربي لم يعد يغضب لدينه، او لأمته، ولا لمصالحه حتى او امنه واستقراره، فاغلب غضبه بات مذهبيا، فأنت يجن جنونك، اذا قصف النظام السوري، قرية سنية، تغضب لأنك تشعر ان السنة مستهدفين، ولا تغضب لاجل كل هذا الدم في كل هذه المنطقة، ولأجل الطفولة مثلا، مثلما نجد الغضب العراقي مثلا، يتفجر اذا تم تفجير في العيد وسط الابرياء الذين اغلبهم من الشيعة في كرادة بغداد، ولا نجده بالصوت ذاته اذا اضطهد النظام العراقي وقواته، آلاف الابرياء السنة غرب العراق، وسجنهم، وقتلهم، في غمرة حربه على الارهاب، برغم ان لاعلاقة لهم به. لا يقبل الدم القسمة على اثنين، وبما اننا قبلنا، هذا الانفصام، نحزن هنا، ونهلل هناك، نغضب هنا، ونفرح في جهة اخرى، نحلل هنا، ونحرّم هناك، فعلينا انتظار متواليات الموت في هذه المنطقة، ولم نعد نعرف اليوم، اذا ماكان هذا التفجير من باب الفعل او رد الفعل، فالكل يتهم الكل، والكل يتهم طرفا آخرا بأنه الذي بدأ الجريمة.
(الدستور 2016-08-30)