قمة «العشرين» وسجادة «أوباما».. الحمراء!
فيما اختتمت قمة الـ(G-20) اعمالها في مدينة هانغتشو بالصين، وسط خلافات لم يستطع المجتمعون تجاوزها, رغم ان القمة الحادية عشرة لهذه المجموعة انعقدت تحت شعار «نحو بناء اقتصاد عالمي, إبداعي ونشِط ومترابط وشامل»، وخصوصا ما جاء في خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ ودعوته للدفع نحو «الابتكار لا عبر التدابير المالية والنقدية فقط» مُعتبِرا ان الهدف هو احياء محركات نمو التجارة العالمية والاستثمار. مُوجِّهاً في الآن ذاته انتقادات مبطنة ولكن لاذعة للسياسة الاقتصادية والمالية الغربية التي بدأت «رحلة العودة» الى السياسات «الحمائية» للسلع والمنتجات الوطنية, رغم ان تلك السياسات كانت سلاحها الاقوى في مواجهة اقتصادات وسياسات الدول الاخرى وخصوصا النامية، إلاّ انها وصلت الى نقطة لم تعد قادرة على تسويق مثل هذه «الأداة» التي كانت ذات يوم في صالحها، وها هي ترتد عليها ثانية على ضوء النقاشات والسجالات التي دارت خلال جلسات المؤتمر وقبله... في التحضير لانعقاده.
نقول: فيما اختتمت القمة اعمالها التي يغلب عليها عادة الطابع الاقتصادي، إلاّ ان الملفات «السياسية» طغت عليها وفي مقدمتها الازمة السورية, التي كانت مدار تجاذب اميركي روسيّ, لم يستطع الاميركيون رغم ما سعوا اليه, تسويق خططهم الرامية الى تحقيق ما عجزوا عن تحقيقه في الميدان، عبر الاتفاق الذي كان قد اوشك على بلوغ مرحلة التوقيع النهائي، إلاّ ان الجيش السوري وحلفاءه استطاعوا قلب المعادلة الميدانية, واعادوا إحكام الطوق على احياء حلب الشرقية ودحروا المجموعات المسلحة من منطقة الكليات الحربية واغلقوا تماماً «ثغرة الراموسة» على نحو لم يعد امام الاميركيين بد من الاعتراف بانهم فشلوا في «فرض»الاتفاق، فعادت الأمور الى المربع الأول، ولهذا كان الرد الروسي لافتاً وحاسماً في الآن ذاته، عندما قالت الناطقة باسم الخارجية الروسية: لا داعي لوصف عدم الاتفاق بـأوصاف... «دراماتيكية».
ما علينا..
ثمّة «حادثة» اخرى فرضت نفسها على القمة, بل وربما سرقت الاضواء منها, وما تزال مفاعيلها تتوالى بعد أن اخذت مسألة استقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما في مطار المدينة أبعاداً سياسية وخصوصاً اعلامية، اسهمت كلها في اخراج «مكامن» الخلافات العميقة التي تعصف بالعلاقات الأميركية الصينية وتعيد التوتر اليها, وبخاصة ان الحديث «الاميركي» يدور عن «الخرق البروتوكولي والإهانات التي تعرض لها الوفد الاميركي في قمة العشرين وخصوصاً الرئيس أوباما». على ما قالت صحيفة نيويورك تايمز، فيما دخلت الاستخبارات العسكرية الاميركية، على خط «الازمة» عبر تغريدة تهكمية ولاذعة وجهتّها للصين, عبر صفحتها الرسمية على «تويتر» مُلخِّصة موقفها بكلمات ثلاث «الصين لبقة (أو راقية).. كالعادة».. ثم ما لبثت ان حذفتها عن صفحتها,أعقبتها بتغريدة اخرى ولكن اعتذارية هذه المرة لتقول عن التغريدة التهكمية: «هي لا تمثل وجهة نظر الاستخبارات العسكرية الاميركية.. نقدم اعتذارنا».
ولان الازمات وخصوصا المُفتعَلة، غالبا ما تتكئ على حسابات قديمة يُراد من خلالها، «اغلاق» تلك الحسابات او اعادة فتحها، فان من السذاجة الاعتقاد ان دولة بحجم الصين ودورها العالمي فضلا عن انها الدولة المضيفة «لمجلس ادارة العالم» وان كانت مجموعة الـ(G-7) بعد ان أخْرَجَ الغرب روسيا من عضويتها, تنهض بدور اكثر اهمية, كونها تضم قادة الدول الى السبع ذات الاقتصادات الاكبر في العالم، فلا يُعقَل والحال هذه ان تتعمد بيجين اهانة الرئيس الاميركي او خرق البروتوكولات المعتادة في التعامل مع رؤساء الدول أيّاً كان او يكون حجم الخلافات معهم، ما بالك ان الحديث يدور عن الرئيس الأميركي وليس رئيس اي دولة اخرى؟.
صحيح ان الخلافات بين البلدين عميقة ومفتوحة على احتمالات عديدة ,ليس اقلها تداعيات ذلك التوتر المتصاعد في بحر الصين الجنوبي والذي تجد فيه واشنطن فرصة لكبح جماح الصين، وعرقلة تطورها وصعودها السلمي, واستغلال خلافات الصين مع جيرانها حول الحقوق في بحر الصين الجنوبي, لتمرير سياستها في عسكرة المنطقة. تَبَدَّى ذلك في نشر صواريخ THAAD الاميركية المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية, وهي ما عارضته روسيا والصين, حيث ابلغ الرئيس الصيني نظيرته الكورية الجنوبية ان بلاده تُعارِض نشر واشنطن هذه المنظومة, وأن سوء معالجة هذه القضية, يؤدي الى عدم الاستقرار الاستراتيجي في المنطقة وقد يزيد من النزاعات. إلاّ انه ايضا ودائما, هناك في الغرب الامبريالي من يجد الفرصة ملائِمة لاثارة الخلافات وتعقيد الازمات, على النحو الذي رأينا تجلياته في عملية التحريض واثارة الغرائز في حكاية «الإهانة» التي لحقت بأوباما وكيف عنّونت احدى الصحف البريطانية (الغارديان) صفحتها الاولى قائلة: «أوباما.. إنس السجادة الحمراء».. الامر الذي انتقدته بشدة صحيفة صينية تابعة للحزب الشيوعي الصيني، «غلوبال تايمز» قائلة: ان الحادثة ضُخِّمت على نحو غير مقبول, وأن من عادة الإعلام الغربي, ان يُثير ضجّة حول الامور التافهة، ما يجعلنا والقول للصحيفة الصينية: ان نعزو التوتر في العلاقات بين بيجين وواشنطن «جزئياً».. الى الإعلام الغربي».
رأي له «وجاهته».. أليس كذلك؟.
(الرأي 2016-09-07 )