عندما ينتعل الرجل الكعب العالي ويكشف عن ساقيه.. رجولة أو؟

تم نشره الخميس 08 أيلول / سبتمبر 2016 12:54 مساءً
عندما ينتعل الرجل الكعب العالي ويكشف عن ساقيه.. رجولة أو؟

المدينة نيوز:- تخيّل أنك نزلت يوماً إلى الشارع فرأيت رجلاً يرتدي «فوزو» (Fuseau) أبيض، مع جاكيت ضيّقة وينتعل جزمة عالية تصل حدّ ركبتيه أو كعباً عالياً يتخطّى طوله السبعة سنتمترات، فهل تتقبّله؟يعتقد أبناء كلّ جيل أنّ أسلوب لباسهم من المسلمات، ويغيب عن بالهم أنهم مُعرَّضون للتغيير في كلّ حين. تتغيّر الموضة بين حقبة وأخرى. فما يُعتبر ارتداؤه عادياً وطبيعياً اليوم لن يكون كذلك في المستقبل، والمستغرَب في عصرنا ربّما كان دارجاً في الماضي ونسينا ذلك.
يلحظون التنورة
ماتت جدتي منذ عشرين عاماً ولم تذق سيقانها طعم البنطلون، وبقيت حتى آخر يوم من حياتها أمينة على تقليد ارتداء الفساتين الفضفاضة التي ورثتها عن أمها، و"على أيامها" شكّل البنطلون ثورة عصرية ساوت المرأة بالرجل من خلال طريقة لباسها.
أما اليوم، فتحوّل البنطلون إلى عنوان لـ "اللباس المحتشم"، تعتمده الفتاة في العمل أو المشاوير، لأنه يغطي جسدها ويظهرها بلوك عصري في آن، وقد بات مقبولاً ومحبّذاً من قبل معظم النساء والرجال.
في المقابل أصبح مجرد ارتداء المرأة للتنورة محط التفات الأنظار حتّى ولو لم تكن قصيرة. قدومكِ بتنورة رسمية إلى المكتب سيستدعي حتماً إطراء الزملاء، ويستقطب أنظارهم وبعض أسئلة المتطفلين: "ماذا لديكِ اليوم؟"، "أين تذهبين بعد العمل؟"، "لماذا ترتدين تنورة؟".
الرجل بالقصير
أمّا الرجل، فيشكّل عرض رجليه المكسوّتين بالشعر، "ظاهرة" وشواذاً إذا ما ارتدى تنورة، ويكون بمنتهى الطبيعية لو اعتمد الشورت! ويبقى السؤال لماذا؟ علماً أنّ الشورت أكثر حشمة بالنسبة للفتاة من التنورة التي "تُخصّص لها".
شهدت إحدى حفلات الأعراس في لبنان الشهر الماضي، قدوم أحد المدعوّين الشباب مرتدياً تنورة على الطريقة الاسكتلندية. هذا الوسيم المميّز خطف الأنظار من العروسين، لشدّة استغراب المدعوّين اللبنانيين من أزيائه.
علماً أنّ للتنورة مفهوماً آخر في اسكتلندا، فبينما تعكس الأنوثة في معظم بلدان العالم، تعبّر عن الرجولة الاسكتلندية، وتشكل أحد أشهر رموز هذه الدولة. ويُذكر أنّ "ظاهرة" ارتداء الشاب تنورة، لم تكن غريبة بالنسبة للحضارات القديمة، وقد اعتمدها الفراعنة على سبيل المثال لا الحصر.
الكعب العالي للرجال؟
إن تنزّه أيّ شاب اليوم في أحد شوارع الأشرفية مثلاً مرتدياً كعباً عالياً، سيلفت أنظار المارة المتعجّبين، وقد تجدون بعض النساء المسنّات يقلن: "يا رب نجنا، هيدا آخر زمان". ويغيب عن بال المجتمع المقيم في حاضره أنّ الكعب العالي، يرمز إلى الأنوثة والإغراء منذ القرن العشرين فقط، بينما صُنع خصيصاً للرجال في القرون الماضية.
كان الرجال أوَّل من ارتدوا الكعب العالي وذلك في بلاد فارس، واعتمده الفرسان لقرون طويلة في ركوب الخيل خلال الصيد والمعارك، لأنه يساعد على تثبيت أرجلهم على صهوة الجواد، فشكّل رمزاً للقوة والرجولة.
حين قصد الشاه عباس الأول القارة العجوز، أواخر القرن السادس عشر، نقل انتعاله الكعب العالي إلى الأوروبيين، وخصوصاً الأرستقراطيين منهم، وقد اعتبروا أنه زادهم رجولة. تعدّت رمزية الكعب العالي مفهوم العنفوان إلى الثراء، وصار عنواناً للأرستقراطية أيضاً في القرن السابع عشر واعتمده الرجال النبلاء ليتميّزوا به عن عامة الشعب، بالإضافة إلى اختيارهم ثياباً فاخرة وغير عملية تطبع مكانتهم الاجتماعية الرفيعة.
بلغ طول كعب حذاء الملك الفرنسي لويس الرابع عشر 10 سنتمترات، وكان مزيّناً بمشاهد المعارك، ومصبوغاً باللون الأحمر الفاخر الذي لا يقوى الفقراء على شرائه. وحصر هذا الملك ارتداء الكعب العالي والنعل الأحمر بأفراد حاشيته، ولمعرفة مكانة أيّ شخص كان الفرنسيون ينظرون إلى كعبه فإذا كان عالياً وأحمر، دلّ على ثرائه.
التساوي بالرجل
تكمن المفارقة في أنّ النساء ارتدين الكعب العالي للمرة الأولى، في نهاية القرن السابع عشر حين اشتهين الموضة الرجالية، وربّما بهدف تحقيق المساواة مع الرجل وخطف بعض من سلطة الرجال آنذاك. ولم يتأخر عصر التنوير enlightenment era الذي حمل الرجال إلى عالم الثقافة. خلاله لم تعد الثياب أساسية في المجتمعات إنما تحصيل العلم والثقافة.
انعكست صورة الرجل المفكر على طريقة لباسه، وحصل "التنازل الذكوري الكبير". اعتبر الرجال الكعب العالي أنثوياً وسخيفاً فتوقفوا عن ارتدائه في القرن الثامن عشر، وخلعوا المجوهرات والألوان الفاقعة والتصاميم الضخمة والماكياج، واعتمدوا ثياباً أكثر تواضعاً وبساطة، تتّسم بالألوان الداكنة كالأسود. في المقابل توجّهت المرأة نحو الأقمشة الفاخرة والمجوهرات لأنها ما كانت تتعلم حينها، فطمحت لإظهار مركزها من خلال اللباس.
ولكن عادت المرأة ومشت على خطى الرجل في القرن التاسع عشر فتنازلت عن الكعب العالي بدورها، الذي اختفى من الموضة الرجالية والنسائية على حدٍّ سواء. ولكن أتى القرن العشرون بثورته التكنولوجية ليكرّس المرأة أداة للإثارة والجذب وحتّى الإباحية في عصر الصورة. مع اختراع التصوير، كان مصوّرو المواد الإباحية أوّل مَن سخّروا هذا الاختراع لغاياتهم.
هم أجبروا المومسات على انتعال الحذاء ذي الكعب العالي فقط لا غير في صورهنّ العارية، معتقدين أنه يبرز أجسادهن بطريقة مثيرة، فتحوّل الكعب العالي من رمز للرجولة والمعارك والحروب... إلى أداة لإيقاظ الرغبات.
ويبقى السؤال لماذا لا تزال المرأة المتعلّمة والمثقفة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى مصرّة على إبراز نفسها من خلال الملابس الفاخرة والفضفاضة مرفقةً بالمكياج وعمليات التجميل والكعوب العالية؟ وهل تتخلّى يوماً عن هذه المظاهر كما تخلّى عنها الرجال في عصر التنوير؟ أو أنّ تطوّرها وطموحها إلى المساواة يوماً بالرجل، سيحمل الأخير إلى إعادة انتعال الكعب العالي فيبادر بذلك إلى تشجيعها على تحقيق المساواة معه؟



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات