طاهر المصري والمعادلة الصعبة

تم نشره الجمعة 09 أيلول / سبتمبر 2016 12:18 صباحاً
طاهر المصري والمعادلة الصعبة
محمد أبو رمان

يستحق طاهر المصري حجم الحضور المبهر الذي أمّ منتدى عبدالحميد شومان، لحضور حفل توقيع كتابه "حصاد الزمن الصعب". فطاهر المصري ليس كأيّ سياسي أردني مخضرم، ولا كأيّ رئيس وزراء، ولا رئيس مجلس أعيان، أو وزير، أو نائب؛ هو له نكهة استثنائية خاصة به، جعلت منه "ظاهرة سياسية" فريدة.

الكتاب مجموعة من المقالات والمقابلات والآراء التي قدّمها أبو نشأت خلال مسيرة سياسية خصبة في العمل العام والسياسي، بدأت من تحت قبة مجلس النواب، ثم وزيراً في حكومة زيد الرفاعي في العام 1973، وهو ابن 31 عاماً. ثم شغل مناصب متعددة في الحكم الأردني، من النيابة إلى الأعيان، وبينها وزارة الخارجية. كما عمل سفيراً أردنياً في دولٍ عدة، وشكّل حكومته في العام 1991. وشغل موقع رئاسة "النواب" و"الأعيان" والحكومة، ولجنة الحوار الوطني 2011، التي جاءت في فترة دقيقة خلال مرحلة ثورات "الربيع العربي".

عن أيّ نكهة نتحدث؟

نكهة المصري الفريدة هنا تتمثل بكلمة واحدة في قدرته على إدارة "التوازنات" والعمل تحت الضغوط. وإذا أردتُ أن أجمل موقعه السياسي بكلمات معدودة، فهو إصلاحي من داخل النظام، وليس من خارجه.

تلك المعادلة التي نجح فيها المصري معقدة؛ فهناك إصلاحيون، ديمقراطيون، ليبراليون كثيرون في البلاد، لكن أغلبهم يجد نفسه بعد مدّة قصيرة بين خيارين رئيسين: الأول، الخروج من "السيستم"، والمعارضة من الخارج. وهي عملية أسهل وأقل تعقيداً من خيار "الإصلاح الداخلي". وآخرون ينساقون مع "السيستم" ويتحولون إما إلى محافظين معادين للإصلاح، أو إلى مجرد ماكينات تنفيذية وعملية، بلا أي نكهة أو قيمة أو لون سياسي خاص.

شعبية المصري ومصداقيته واستثنائيته، تبدّت من قدرته على إيجاد "القطبة المخفية" (على حدّ تعبير الزميل فهد الخيطان) بين رؤيته الإصلاحية والمدنية من جهة، ودوره في داخل الدولة من جهة أخرى. وهي المعادلة التي لم تعجب، بالضرورة، أطرافاً من الجانبين؛ ففي داخل الدولة هناك تيار كان دائماً يسعى إلى "الإيقاع" بالمصري وترويج الإشاعات والاتهامات بحقه، والتشكيك بـ"ولائه" للنظام. ومن التيار الإصلاحي من كان يهاجم الرجل ويتهمه بالمرونة المبالغ فيها، وبتمرير سياسات لا تنسجم مع قناعاته وأفكاره.

ربما ما سبق يقودنا إلى ميزة خاصة أخرى في شخصية المصري نفسه؛ فهو شخص توافقي، يلمّ الناس حوله، ويلجأ إليه الجميع لتسوية الخلافات السياسية، بخاصة بين المعارضة والسلطة، وتجده الدولة في الأوقات الحرجة والمهمة، ليكون صاحب كلمة دافئة مهدئة. وربما ذلك ما يفسّر براغماتيته-واقعيته التي منحته مرونة في السلوك السياسي مع حفظ خطه الإصلاحي المعروف.

هذا وذاك يقودنا إلى "مفارقة الشخصية"، التي قد تبدو هكذا في الظاهر؛ فهو توافقي ووفاقي، ويبدو كشخصية بسيطة واضحة. لكنّه في الوقت نفسه قادر على خوض معارك وصراعات سياسية وشخصية غير معلنة، في الظل، ما يعكس الجانب السياسي المحنّك، الذي يفسّر هو بصورة أكبر من غيره الجوانب المتعددة من شخصية المصري.

هذا سرّ نجاح المصري في محطّات ومراحل متعددة ومعقدة وصعبة في "الزمن الصعب". وكان يفترض أن يكون هناك إدراك أعمق لدى "خصومه" بقيمته التي من الصعب جداً تعويضها في اللحظة الراهنة داخل النظام السياسي، سواء كان الأمر مرتبطاً بموقع رسمي، أو خارجه.

(الغد 2016-09-09)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات