لماذا نجحت المؤامرة ضد الأسد وفشلت ضد أردوغان؟

تم نشره السبت 10 أيلول / سبتمبر 2016 02:24 صباحاً
لماذا نجحت المؤامرة ضد الأسد وفشلت ضد أردوغان؟
د. فيصل القاسم

دعونا نعترف أولاً أن أحد مرادفات كلمة «مؤامرة» في قاموس روجيه الشهير هي كلمة «سياسة». بعبارة أخرى، فإن المؤامرات هي في نهاية المطاف نوع من أنواع السياسة. والسياسة الحقيقية كما يصورها ماكيافيلي في كتابه الشهير «الأمير» كلها مؤامرات ومكائد وحيّل وخدع لتحقيق أهداف قذرة. لهذا سنتفق جدلاً مع أبواق النظام السوري، وخاصة ما يسمى بإعلام الممانعة والمقاومة في سوريا ولبنان والعراق وإيران، بأن الثورة السورية منذ يومها الأول ليست انتفاضة ضد الظلم والطغيان، بل مجرد مؤامرة خارجية تقف وراءها إسرائيل وأمريكا وخصوم النظام في العالم، وأن الشعب السوري لم يثر مطلقاً، وليس عنده أي سبب يدعوه للثورة. وسنتفق أيضاً جدلاً مع بعض المهرجين في وسائل إعلام الممانعة الذين وصل بهم الأمر إلى اتهام المفكر الفرنسي بيرنار هنري ليفي بأنه هو من رتب الثورة في سوريا وغيرها. هل تصدقون أنفسكم بربكم؟ أليست قمة السخافة والضحالة أن تتهموا شخصاً واحداً مهما علا شأنه بالوقوف وراء ثورات بأكملها. كما أنه احتقار صارخ للشعوب أيضاً من خلال تصويرها على أنها مجرد قطيع يمكن لكاتب أجنبي أن يوجهها كما يريد، ويحرضها على حكامها.

ولو سلمنا معكم أن النظام السوري تعرض لمؤامرة، نريد أن نسألكم أيها الممانعون: لماذا لا تنجح المؤامرات الصهيونية إلا في سوريا الأسد؟ لقد تآمرت أمريكا قبل أسابيع فقط على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ورتبت ضده انقلاباً عسكرياً قذراً، لكن المؤامرة الأمريكية فشلت فشلاً ذريعاً في تركيا، رغم أنها كانت تريد أن تفعل بتركيا أكثر مما فعلت المؤامرة بسوريا. لقد حاول ضباع العالم تحريض الشعب التركي على الرئيس أردوغان بهدف تخريب تركيا، لكن الشعب التركي لا يمكن ان ينساق وراء مؤامرات تستهدف الرئيس الذي رفع من شأن شعبه ووطنه ووضعه في المراتب الاولى عالمياً، فتصدى الشعب للانقلابيين والمتآمرين على تركيا وأهلها، وأفشل المؤامرة خلال ساعات.

أما في سوريا فما أسهل أن تحرض السوريين على رئيسهم وحكومتهم، فلدى كل سوري ألف ثأر وثأر مع النظام الذي سامهم سوء العذاب والظلم، ولم ينجز لهم سوى الفقر والقهر، لهذا كان بإمكان أي «مفعوص» من الداخل والخارج أن يحرض الشعب على نظامه بهدف تخريب البلد ونشر الفوضى وعدم الاستقرار. لماذا يا ترى نجحت المؤامرة في سوريا ودمرت البلاد وشردت العباد، ولماذا فشلت في تركيا وجعلتها أقوى؟ السبب بسيط: إن الذي يمكن له أن يساعد المتآمرين أو يفشلهم في أي بلد هو رأس النظام، فإذا كان محبوباً من شعبه بسبب حكمه الرشيد وانجازاته العظيمة لوطنه وشعبه كأردوغان، فإن المؤامرة ستفشل حتماً، فالشعب هنا لا يدافع فقط عن رئيسه، بل يدافع عن مصلحة وطنية عامة كبرى استطاع أردوغان أن يجمع الأتراك جميعاً حولها، فمن غير المعقول أن ينقلب الشعب على من أحسن إليه ورفع من شأنه. أما إذا كان النظام لم يحقق للشعب سوى البؤس والعذاب المخابراتي الحقير، فسيكون بمقدور أي كلب من الخارج أن يحرض الشعب للانتقام من النظام. قالها لي مسؤول سوري كبير قبل سنوات قبل الثورة: قال: «ادع لنا أن لا تحدث ثورة في سوريا، لأن غالبية الشعب السوري لها ثارات وثارات مع النظام، فلم يبق سوري إلا وأكل منا «كفا».

وإذا لم تريدوا المقارنة مع تركيا، فسأحيلكم إلى مثال بسيط يحدث للكثير منا في حياته العملية. فلو كان مديرك في العمل لطيفاً وعادلاً معك، وجاءك شخص مُغرض ومتآمر وحرضك عليه، لا شك أنك ستبصق في وجهه، وستدافع عن مديرك. أما لو كان مديرك فظاً وظالماً معك، فلا شك أنك ستشتمه فوراً أمام المحرض، وربما تسأل المحرض عن أفضل طريقة للانتقام من المدير الظالم. كذلك الشعوب، فلو كان حكامها وحكوماتها عادلة وطيبة معها، لدافعت عنها وعن أوطانها بأسنانها.

أما إذا كان الحكام والأنظمة ظالمة، فلا شك أن أي تحريض بسيط من الخارج سيدفع الشعوب للانتقام من حكوماتها وحكامها، وسيكون شعارها: علي وعلى أعدائي، كما يحدث في سوريا.

لهذا لا تلوموا المتآمرين الذين تتهمونهم بتحريض الشعوب على الثورات لأهدافهم الخاصة، بل لوموا أنفسكم لأنكم بسياساتكم الحقيرة والظالمة جعلتم القاصي والداني ينجح في تحريض شعوبكم عليكم.

(المصدر: القدس العربي 2016-09-10)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات