بوابات منسية
وراء تلك البوابات المنسية حكايات كثيرة في الاردن، وكثيرا ماطرقنا بيوتا، لنكتشف ان وراء كل بوابة منسية، حكاية لا يعرفها أحد، وفي مرات، لايصدقها أحد. اليوم يصوم الناس، ويقف الحجاج في عرفة، وغدا العيد، لكن السؤال الذي يخطر بالبال، كم طفلٍ يعاني من الحرمان، في هذا اليوم، كم يتيمٍ، او فقير، لا يجد لباس عيده، ولا ثمن لعبته، ولا طعامه ايضا، فتسأل نفسك قبل غيرك، عن الصيام اليوم، والعيد غدا، وفي اعناقنا امانات غائبة، جار فقير، طفل يتيم، انسان محتاج، فكيف يكون لهذه المناسبات مذاقها الروحي، اذا لم يتذكر احدنا، الاخر، في يوم مثل هذا اليوم. مؤلم جدا هذا الحرمان الخفي في بيوت الناس، وصدقوني، لا اكتمال لهذا اليوم، ولا للغد، ما لم يقرر الواحد فينا، ان يمد يده الى جيبه فيخرج عشرة دنانير، او اكثر، ويذهب في هذا اليوم حصرا، ويطرق باب ايتام او فقراء او محتاجين، ولا يتحرج المرء من قلة المال بين يديه، اذ يكفيك الدعوة الخيّرة التي تنالك، في مثل هذا اليوم، يكفيك المسرة التي تدخلها الى قلب اليتيم او المحتاج، لكننا للاسف، ننفق على كل شيء، وعند هؤلاء نتذرع بقلة الدخل، او كثرة الالتزامات، برغم ان بركة هؤلاء تسدد دينك، وتفرج كربك. في جولات «الدستور» الانسانية سابقا، دخلنا بيوتا في مثل هذه الايام، اطفال فقراء يرضعون الشاي بدلا عن الحليب، اباء في السجن، ايتام يضربهم بعض اقاربهم، زوجات مهانات لسبب او اخر، عائلات لا مال معها لتدفع ايجار غرفتها، اباء بلا عمل، اطفال ينتظرون ثمن قميص مستعمل، اطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون فوق ذلك من الفقر، امهات مطرودات، راينا كل شيء، والمؤكد ان حدة الفقر تستفحل في الجسد العام، والناس تقول لك يوما بعد يوم ان لامال لديها، لكننا ننفق اكثر من ملياري دينار على الاتصالات والسجائر، ويسافر كثيرون منا، وينفق كل واحد منا على اولاده، لكنه لا يتذكر ان هناك طفلا يتيما او فقيرا، كل امنيته لباس للعيد وحسب. روحانية الاسلام، تتجلى بأسرار تفوق العبادة وحسب، فصيام اليوم مهم ومعروف فضله، لكن لماذا أكون بخيلا، أصوم فقط، ولماذا لا اجعل مع الصيام، اطلالة على طفل يتيم او فقير او جار محتاج، اساعده بأي مبلغ، مهما كان قليلا، هذا مذاق روحاني عجيب، لا يعرفه الا من جربه، اذ يكفي ان صدقة السر تطفئ غضب الله، ومن منا، لا يقع في ذنوب كبيرة، وليس اسوأ من المخطئ، الا من يشيح وجهه، ولا يهتم بتكفيرها ورفعها عن ظهره. مع اطلالة اليوم، امامنا ساعات طويلة، لنتذكر قريبا، او بعيدا، يتيما او فقيرا، نتذكر ان غيرنا، لا يجد ثمن حلوى العيد، ولا لباس اطفاله، ولا هو قادر على ادخال المسرة الى اولاده، والبيوت كثيرة، نعرفها كلنا، وبعضنا يتعامى عنها. برغم ان الشرع يعفي الشخص الغارق بالديون من الصدقة، الا انني اعرف شخصا يقسم بالله، انه كلما غرق في الدين، استدان مجددا وتصدق، ففرج الله كربه، وهذا كلام صحيح، لان السر في الصدقة، فهي دواء لكل شيء، دواء للمرض، وللدين، وللهموم، وهي دواء للذنوب ايضا. يوم جميل، تتوحد فيه الالسن والقلوب، تذكر الله، لكننا في هذا اليوم، نطرق ايضا البوابات المنسية، ونقول لمن خلفها، إن الله عز وجل لا ينسى أحدا.
(الدستور 2016-09-11)