الاتفاق والاختلاف بين روسيا وأميركا
الجزء المعلن من الاتفاق الروسي الأميركي على هدنة في سوريا لمدة أسبوع قابل للتمديد فشل كما كان متوقعاً حيث انهارت الهدنة على يد أميركا التي لم تلتزم وقامت بالإغارة على قوات الجيش السوري في الوقت الذي كان يتعرض فيه لهجوم من داعش يهدد مطار ومدينة دير الزور ، هذا الاتفاق كان إجراءً غريباً من حيث أنه تم في غياب كل الأطراف ذات العلاقة ، فلم يشارك النظام في المحادثات بين وزيري خارجية الدولتين الأعظم ، ولم يشارك أي من الفصائل المقاتلة في سوريا. ولم تستشر الدول ذات العلاقة المباشرة مثل تركيا والسعودية وقطر وإيران ، حيث اعتبرت موافقتها أمراً مفروغاً منه. وبالفعل وافق الجميع على الهدنة دون تردد والتزموا بها لمدة أسبوع ربما لأنهم تعبوا من استمرار الحرب العبثية الي لا أمل في حسمها بهذا الاتجاه أو ذاك.
نفهم أن يكون لروسيا قول فيما يحدث أولا يحدث في سوريا ، لأن لها سيطرة على الأجواء وقوات فاعلة على الأرض السورية ، وهي لاعب أساسي بل اللاعب الأساسي ، أما أميركا فيبدو أنها تلعب دور شريك مضارب ، وهو الشريك الذي لا يسهم في رأس المال ولكن له حصة من الأرباح. ومن المحتمل أن يكون إشراك أميركا في الإتفاق على الهدنة منحة أو مجاملة روسية لها مقابل في سوق تبادل المنافع والمصالح.
كان يمكن أن تنجح الهدنة وتستمر لأن أي طرف لا يتحمل الوقوف في وجه القوتين الأعظم ، ويفضل أن يستريح لبعض الوقت ليعيد ترتيب صفوفه استعداداً للجولة القادمة ، لكن أميركا قامت بضربتها.
يقول مراقبون أن النقاط الخمس المعلنة للاتفاق الروسي الأميركي ليست أهم ما في الاتفاق ، فهناك تفاهمات أخرى طي الكتمان ، ولا تتعلق بأسبوع الهدنة بل بمستقبل سوريا نفسه.
مصالح سوريا نفسها لم تكن ممثلة ، لا من طرف النظام وأنصاره ، ولا من طرف خصومه من الفصائل المسلحة والمدعومة من الخارج ، وكأن روسيا تمثل النظام وأميركا تمثل الفصائل المسلحة وتعتبرها معتدلة.
بانتظار كشف النقاب عن الأجزاء السرية من الإتفاق الروسي الأميركي ، لا بد من بعض الاستنتاجات المستمدة من تصريحات وتلميحات ممثلي الطرفين. فقد أصبح واضحاً أن رحيل بشار الأسد لم يعد مطروحاً في المدى المنظور ، وأن تقسيم سوريا وإقامة دويلات صغيرة خاضعة لنفوذ هذه الجهة أو تلك ليس وارداً ، لأن من شأنه تمكين الإرهاب وإعطاؤه فرصة الاستقرار وتهديد أمن العالم.
(المصدر: الرأي 2016-09-23)